كيف نستثمر في الابتكار؟ «3 من 4»

نواصل الحديث عن كيفية الاستثمار في الابتكار ونهدف منه الإجابة عموما عن كيفية الاستثمار فيما يتعلق بعامل ومحور مهم لا يقل أهمية عن العوامل والمحاور الأخرى التي تطرقنا لها في الأيام السابقة وتستند إليه عملية إنجاح العملية الاستثمارية في مجال الابتكار ويعد هذا المحور العامل المهم للوصول إلى استثمار ناجح ومستدام ألا وهو وجود البيئة والبنية التعليمية الصحية والمتكاملة.
بلا شك أن التحدي الكبير في الاستثمار في الابتكار من الناحية التعليمية وهو كيفية هندسة العملية التعليمية، وجعلها تتكيف وتتواكب وتتلاءم مع الثورة التكنولوجية الرقمية والتحول الملموس اليوم في عالم التقنية، وأقصد بها: هندسة العملية التعليمية تلك التي تشمل كل العمليات اللازمة والضرورية من مواصفات تخطيطية وتنفيذية ومتابعة وتقويم، ليكون للمسيرة التعليمية دور في تنمية الاستثمار في الابتكار.
نشاهد اليوم كثيرا من المؤتمرات التعليمية على كل المستويات العربية والدولية والعالمية التي تجمع الخبراء من جميع الدول في مختلف التخصصات ونجد أن القاسم المشترك بينها جميعا والهدف الذي ترمي إليه هو إيجاد الوسائل والطرق التطويرية لتغيير الممارسات التعليمية التقليدية القائمة على أهداف ومعايير موضوعة سلفا إلى بيئة تعليمية محفزة مبدعة ذات طبيعة ابتكارية وديناميكية متجددة تتوافق مع المتغيرات المستمرة في الواقع الذي نعيشه اليوم.
في المملكة بدأنا نرى كثيرا من المؤسسات التعليمية تعمل على أن يكون للابتكار دور كبير في مسيرتها التعليمية وجعلت من مناهجها ما ينمي حب الاستطلاع ويحفز الجانب الإبداعي والابتكاري لدى منسوبيها من طلاب وأساتذة، حيث سابقا كان كثير من المناهج تدرس دون أهداف، وهنا أؤكد ضرورة وضع أساسيات المعارف في بناء المناهج التعليمية بكل مستوياتها من رياض الأطفال والابتدائية حتى الجامعية حيث تتدرج مع كل مرحلة من المراحل الدراسية، وكذلك ضرورة هندستها لتكون مناهج ابتكارية تزيد الثقة في الإدراك والأفكار، وبالتالي تلعب دورا كبيرا في توسع آفاق الطلاب وتهيئ لانبثاق الأفكار والتصورات الجديدة ومع القدرة الذهنية للابتكار.
كما تشمل عملية الهندسة التعليمية التوعية ونشر ثقافة الابتكار بين جميع الأوساط التعليمية لتشمل جميع منسوبيها من طاقم التدريس حتى الإداريين وإشعارهم بأهمية ذلك ووضع الحوافز والتسهيلات للمبتكرين في المناهج والمبدعين في إظهار المواهب، حيث يتم توجيههم إلى معامل خاصة للابتكار المتكامل. ولا بد عند هندسة العملية التعليمية ضرورة تجاوز الأساليب التقليدية والاعتماد على الأساليب التكنولوجية الحديثة التي تساعد على إيجاد البيئة التنافسية والابتكارية وتسريع استيعاب الطلبة للوسائل الحديثة في تنمية مهارات المبتكرين.
حاليا يوجد كثير من الدراسات التي قام بها عديد من الاقتصاديين حول العوائد عن التعليم عموما، وتؤكد الأثر الكبير على النمو الاقتصادي وتحقيق التنافسية، فالشعوب الأكثر تعلما هي الأكثر إنتاجية. ولذا نرى أن الدول التي استثمرت بكثافة في إنشاء بنية تحتية متطورة للتعليم الابتكاري منها على سبيل المثال أمريكا وفنلندا وكوريا وتايوان وسنغافورة وسويسرا وغيرها من الدول التي جنت فوائد هائلة من ذلك، حيث إن التعليم محرك مهم، خصوصا في تطوير تلك القدرات في مجال الابتكار التكنولوجي.
ولما للتعليم والاستثمار في العنصر البشري من دور كبير في النمو الاقتصادي وتحقيق التنافسية العالمية، لذا أولت حكومتنا الاهتمام الكبير في ذلك ممثلة في رؤيتنا العظيمة رؤية المملكة 2030 لتحقيق الأسبقية في جميع المجالات وعلى جميع الأصعدة، خصوصا في مجال التعليم، ولذا نشاهد أن مخصصات التعليم من الميزانية العامة للدولة تعد هي الأكبر، الأمر الذي سيساعد المعنيين في هذا القطاع على أداء مهمتهم بكل إتقان ولتكون مخرجاته مجتمعا متعلما أكثر إنتاجية وابتكارية ذا دور ملموس في تحقيق أهداف هذا البلد المعطاء، ويسهم بدور كبير في التنمية والنماء الاقتصادي.
وسيكون حديثنا في المقال المقبل - بإذن الله - عن محور المنشآت التصنيعية والإنتاجية كأحد العوامل المهمة التي يستند إليها نجاح الاستثمار في الابتكار... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي