تعزيز القدرة الدفاعية من خلال الابتكار النوعي والصناعة
يسعى كثير من الدول المتقدمة على مدى الأعوام العديدة الماضية إلى تطوير قدراتها الدفاعية بالتركيز على الابتكار النوعي، ففي عام 2014 أطلقت وزارة الدفاع في الولايات المتحدة الأمريكية عديدا من الاستراتيجيات والمبادرات وفي أغلبها كان التركيز على الابتكار النوعي حيث أنشأت ما يسمى بوحدات الابتكار الدفاعية Defense Innovation Unit Experimental في وادي السيليكون وبوسطن وأوستن، وتم إنشاء مجلس الابتكار الدفاعي ووكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة DARPA وغيرها، ما أوجد تفوقا كبيرا للمنتجات الأمريكية.
حاليا أصبح الاستثمار في الابتكارات النوعية هاجسا لكثير من الدول التي تسعى إلى تطوير قدراتها الدفاعية وتحقيق الأسبقية والاستدامة في ذلك فعلى سبيل المثال نرى أن من أحد أهم برامج الابتكار الدفاعية الرائدة للحكومة الأسترالية ما يسمى Defence Innovation Hub، ويستثمر في التقنيات المبتكرة التي تعزز القدرات الدفاعية لديهم وتنمي صناعة الدفاع وقطاع الابتكار، ومن الخطط الاستثمارية لديهم استثمار نحو ثلاثة مليارات دولار في الابتكار الدفاعي ويعد جزءا من خطة هيكلة القوة الدفاعية لعام 2020، وسيتم استثمار ما يقارب نحو 800 مليون دولار في مركز الابتكارات الدفاعية لديهم حتى عام 2030، إضافة إلى وجود منصة إلكترونية لهذا البرنامج لتعزيز قدرات هذه المنظومة وهي بمنزلة بوابة إلكترونية أطلق عليها بوابة ابتكار الدفاع Defence Innovation Portal مفتوحة على مدار العام 365 يوما للشركات والمؤسسات البحثية الأسترالية والنيوزيلندية للاستفادة من المقترحات والأفكار والخبرات التي يمكن أن يكون لها أثر إيجابي في تكامل العمليات والتطبيقات الدفاعية.
ومن الأمثلة أيضا لبعض الدول التي حققت تقدما في مجال تعزيز القدرة الدفاعية من خلال الابتكار والتصنيع جمهورية كوريا الجنوبية حيث أصبحت على مدار العقد الماضي قوة في صناعة الدفاع في حد ذاتها ووضعت لها اسما في قائمة Defense News لهذا العام التي تضم أفضل 100 شركة دفاعية في العالم حيث شملت أربع شركات كورية جنوبية في مجالات دفاعية مختلفة، وهي تسعى لتوسيع انتشارها للمنافسة في الأسواق الدولية في الأعوام الأخيرة، حيث أعلنت في أذار (مارس) الماضي 2021 خطتها لبرنامج الاستحواذ الدفاعي باسم DAPA وهي خطة طويلة الأجل تبدأ من عام 2021 إلى 2035 وتهدف هذه الخطة إلى تطوير المعدات والأنظمة العسكرية عالية التقنية في المستقبل، معتمدة في ذلك على الابتكارات النوعية والتكامل المدني العسكري ومشاركة الشركات ومراكز الأبحاث ومعاهد البحوث والأوساط الأكاديمية عموما.
لقد ذكرنا ثلاثة أمثلة فقط على تطوير الدفاع بالابتكار النوعي وتصنيعه لثلاث دول مع العلم أنه يوجد عديد من الابتكارات النوعية لدى دول عديدة يمكن الاستفادة منها في هذا السياق، وفي مقال سابق تطرقت إلى أن أحد أهداف رؤية مملكتنا الغالية هو الحد من الإنفاق العسكري الضخم كوننا في مقدمة الدول عالميا في ذلك، ولذلك أولت القيادة الرشيدة عملية توطين الصناعات العسكرية اهتماما بالغا وأصبح من أحد البرامج المهمة ويقع ضمن مبادرات رؤية المملكة 2030 حيث يهدف إلى توطين ما يزيد على 50 في المائة بحلول عام 2030. ولأهمية هذا الجانب ودوره المهم في تحقيق طموحات هذا البلد المعطاء تم تكوين لجان رفيعة المستوى وهيئات مختصة لهذا الغرض، حيث شكلت في 9 آذار (مارس) 2021 لجنة عليا للبحث والتطوير والابتكار تعنى بتنمية قطاع البحث والتطوير والابتكار عموما، وترتبط بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ويرأسها رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، كما أنشئت هيئة عامة لتقوم بدور خاص في مجال البحث والتطوير الدفاعي تحت مسمى الهيئة العامة للتطوير الدفاعي ترتبط برئيس مجلس الوزراء وعين الدكتور فالح بن عبدالله الصالح السليمان محافظا لها.
كما أن للشراكات الدولية في جانبي الأبحاث والتصنيع الدفاعي مع عدة دول خصوصا مع تلك المتقدمة والمتميزة في مجال البحث والتطوير والتصنيع للابتكارات النوعية الدفاعية دورا مهما جدا في هذه الفترة خصوصا إذا أبرمت مع تلك التي لا تفرض قيودا مشددة لعملية نقل التقنية الدفاعية وتصديرها، لذلك أقترح أن يكون للهيئات والجامعات والمراكز الوطنية البحثية المختصة في المجال الدفاعي دور بارز ومشترك لاستقطاب وعمل مثل هذه الشراكات تحت مظلة واحدة تعنى بتكامل وتضافر الجهود مع ضرورة تماشيها مع أهداف واضحة مبنية على استراتيجيات وخطط قصيرة بعيدة المدى، وقد يكون ذلك أحد أدوار الهيئة العامة للتطوير الدفاعي كونها تعنى بتحديد أهداف أنشطة البحث والتطوير والابتكار المتعلقة بمجالات التقنيات والأنظمة الدفاعية ووضع السياسات والاستراتيجيات اللازمة لذلك، وذلك من أجل تحقيق هدف تعزيز قدرتنا الدفاعية بشكل أكبر من خلال التركيز على توطين وتصنيع الابتكارات النوعية الدفاعية.