الابتكار في تسويق المنتجات
أثناء الدراسة لمقرر إدارة التسويق في مرحلة الماجستير، كان المنهج مقسما إلى عشرة فصول، وكل فصل يحوي عدة دروس تستفيض في موضوع هذا الفصل. ومما لفت انتباهي هو تخصيص فصلين كاملين عن موضوع التسويق والابتكار. وسبب الاستغراب هو كيف لمقرر التسويق أن يتناول موضوع الابتكار بهذا القدر من التفصيل، بينما الاعتقاد السائد أن موضوعات التسويق تعالج مسائل كالتموضع في السوق، أو استهداف شرائح العملاء المناسبة للمنتج، أو تصميم قنوات البيع وإدارة علاقات العملاء. لكن التحول الذي طرأ على مفهوم التسويق في منتصف القرن الماضي تقريبا، وتحوله من التركيز على المنتج إلى التمركز حول العميل، أحدث تغييرا في مفاهيم واستراتيجيات إدارة التسويق.
ومن لازم التمركز حول العميل استحداث استراتيجيات تعنى بإيجاد قيمة للعملاء المستهدفين. وبناء عليه فإن مسار استراتيجيات التسويق الحديث ينطلق من معرفة وفهم احتياجات العملاء أولا، وتترجم إلى منتجات أو خدمات تلبي تلك الاحتياجات. ومن هنا تتطلب ركيزة الابتكار أن تكون متناغمة مع عناصر التسويق الأخرى لإيجاد قيمة والمحافظة عليها أو لاستهداف شريحة جديدة من المستفيدين.
كما أن لمفهوم دورة حياة المنتج، وهو أحد مواضيع التسويق المهمة، ارتباطا وثيقا باستراتيجيات الابتكار. حيث يشير مفهوم دورة حياة المنتج إلى مروره بأربع مراحل مختلفة. تبدأ أولا بالإطلاق أو طرح المنتج في الأسواق، تعقبها مرحلة النمو ثم تشبع السوق، وآخرها انتهاء مرحلة انخفاض الطلب على المنتج أو حتى إيقاف إنتاجه. فبعد استهداف الشريحة المناسبة لمنتج معين، تعمد استراتيجيات التسويق إلى دراسة دورة حياة المنتج بشكل مفصل ومعرفة في أي المراحل هي، وبناء عليه تصمم استراتيجيات الابتكار المناسبة، لتبقي على القيمة التي يقدمها المنتج في مرحلة معينة أو حتى لزيادة قيمتها المصاحبة.
ففي فترة الإطلاق مثلا، تتطلب هذه المرحلة زيادة الإنفاق على الدعاية والإعلان، لتعريف فئة العملاء المستهدفين بالمنتج، أو استحداث قنوات بيع مبتكرة للتسويق للمنتج مثلما فعلت شركة أبل بافتتاح متاجرها المميزة في المجمعات والأسواق الشهيرة. أما في مرحلة التشبع أو نضج المنتج، قد تتطلب زيادة قيمة المنتج المقدم للعميل إضافة بعض الميزات أو الخصائص الإضافية للمنتجات، مثل ما يلجأ إليه مصنعو السيارات من استحداث بعض التحسينات غير الجوهرية التي تعرف بـ facelift، للطرازات التي تسبق إطلاق جيل جديد.
لكن تتأكد مسألة الابتكار في مراحل المنتج الأخيرة من دورة حياته التي قد لا تستطيع التحسينات الطفيفة الإبقاء على قيمته في أعين مستخدميه، لكن يتطلب الأمر إحداث نقلة نوعية أو تغيير جذري للمنتج برمته. وأستشهد هنا أيضا بمصنعي السيارات وتوجههم أخيرا لإنتاج السيارات ذاتية القيادة أو ذات المحرك الكهربائي أو الهجين، التي تأتي في سياق إطلاق منتجات مبتكرة ذات دورة حياة جديدة.
تتمحور استراتيجيات التسويق الحديث عبر مختلف مراحل دورة حياة المنتج، إما إلى إيجاد قيمة جديدة للمستخدم النهائي، وإما المحافظة على القيمة الآنية. وجل محاولات إحداث القيمة تستعين باستراتيجيات الابتكار على اختلاف أنواعه، كالابتكار الذي يحدث نقلات نوعية، أو الابتكار المزعزع أو الابتكار الناتج جراء الأبحاث الأساسية في مراكز البحث والتطوير. وثمة مسألة مهمة حول زيادة فرص نجاح استراتيجيات الابتكار في الشركات والمؤسسات، وهي المحافظة على المواءمة بين استراتيجيات تلك المؤسسات من جهة، وعملياتها المختلفة كالتسويق والعمليات والتمويل أو البحث والابتكار من جهة أخرى. فتحقيق القيمة للمستفيد أو العميل تتعاظم عندما تسخر أنشطة الابتكار في تحقيق الأهداف الاستراتيجية لتلك المؤسسات.