هل يغير الفضاء السيبراني موازين القوى؟
في بداية هذا الشهر، علقت شركة تويوتا، إحدى أكبر مصنعي السيارات في العالم، الإنتاج في 14 مصنعا من مصانعها في اليابان، حيث تسبب فشل في أنظمة شركة كوجيما للصناعات، أحد موردي شركة تويوتا، في هذا الإغلاق. وتعود جذور المشكلة إلى هجوم سيبراني على أنظمة "كوجيما"، ما أدى إلى تعطل نظام الشركة والتأخر في إنتاج جزء من المكونات الضرورية لبعض مركبات تويوتا. وعلى أثر ذلك، أوقفت تويوتا 28 خط إنتاج موزعة على 14 مصنعا، ومن المتوقع أن يتسبب في تراجع إنتاج تويوتا بما يوازي 13 ألف مركبة. من الجدير بالذكر أن أحد المعايير التي تنتهجها تويوتا لزيادة الكفاءة وتخفيض التكاليف هو الاعتماد على مبدأ إدارة المخزون "في الوقت المناسب"، الذي يستلزم توريد القطع والمكونات من الموردين إلى المصانع مباشرة دون الحاجة إلى التخزين. ولكن على وقع ذلك الهجوم، انقلبت هذه الميزة التشغيلية إلى نقطة ضعف وبينت هشاشة سلاسل الإمداد عند أول ارتباك في حلقاتها.
ولم يعرف عن الشركات اليابانية في الغالب تعرضها لهجوم سيبراني على أنظمتها أو برامجها الحاسوبية بشكل متكرر، وهذا قاد عددا من الخبراء والمحللين إلى أن روسيا قد تقف خلف هذا الهجوم، رابطين مشاركة اليابان مع عدد من الدول الغربية في العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، ومنها استبعاد بعض البنوك الروسية من نظام المدفوعات سويفت.
وقد شهدت الحرب الروسية الأوكرانية الحالية صولات وجولات ليس على أرض المعركة فحسب، بل هجمات سيبرانية متعددة سبقت الاجتياح العسكري. أدت تلك الهجمات روسية المصدر على الأرجح، إلى تعطل عدد من مواقع الإنترنت التابعة لبعض الأجهزة الحكومية والمؤسسات المالية في أوكرانيا. لكن الأخطر من ذلك عندما تستهدف الهجمات السيبرانية المنشآت العامة التي تقدم خدمات أساسية مثل الكهرباء والماء أو خدمات النقل عبر القطارات، على سبيل المثال. وبالفعل، ففي 2015 تسبب اعتداء سيبراني على بعض منشآت الطاقة الأوكرانية في انقطاع الكهرباء عن 225 ألف ساكن في غرب أوكرانيا، الذي حدث بعد اجتياح شبه جزيرة القرم من قبل روسيا.
بيد أن الحروب السيبرانية تعتمد بشكل كبير على المواهب والقدرات البشرية في تنفيذ عملياتها، فمحترف اختراق أو "هاكر" قد يتمكن من إحداث أضرار متعدية باستخدام حواسيب شخصية لا تكلف بضعة آلاف من الدولارات. وكما رحبت أوكرانيا بالمتطوعين للمشاركة في صد الهجوم الروسي، طلبت من المخترقين الأوكرانيين التطوع في حماية البنية التحتية الحساسة من أي هجوم سيبراني، والمساعدة على التجسس على القوات الروسية.
لكن، هل ستغير الحروب السيبرانية موازين القوى، وهل سيتنامى الاعتماد عليها في الحروب الحديثة والمستقبلية؟ في بحث لستيوارت مادنيك، أستاذ تقنية المعلومات ومدير برنامج الأمن السيبراني في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، يسلط الضوء فيه على آثار الهجمات السيبراني، الذي أشار إلى أنها ما زالت محدودة، ناسبا ذلك إلى عدم اطلاع أو معرفة المهاجمين بالقدرات المدمرة التي قد تحدثها تلك الهجمات. فالأمر أبعد من انقطاع في خدمات شبكة الكهرباء أو تعطل في رحلات الطيران أو القطارات، بل قد يتجاوزه إلى حدوث تدمير ذاتي لتلك المنشآت أو المحطات بسبب تلك الهجمات. كما يشير الباحث إلى أن المعارك السيبرانية الحالية قد ينظر إليها على أنها مساحات اختبار لمعرفة مدى قدرة الأسلحة السيبرانية على التقويض.
إن زيادة الاعتماد على التقنية والأنظمة الرقمية والأتمتة في مختلف القطاعات تعني مزيدا من انكشاف البيانات وزيادة حساسية الأجهزة المعتمدة عليها، وهذا يتطلب التحصين والحماية بدرجة أكبر لتلك الأنظمة والبيانات لصد أي اختراقات أو هجمات سيبرانية محتملة. إن مثال إغلاق خطوط الإنتاج في مصانع تويوتا الذي أوردته في بداية المقال، خير دليل على مدى حساسية الأنظمة المعتمدة على التقنيات الرقمية وشبكات الإنترنت.