الصناعات النووية ودورها الدفاعي
إن ما تتميز به الدول ذات النمو الاقتصادي القوي هو استمراريتها في دعم الأبحاث والصناعات، وتركيزها على الاختراعات والابتكارات النوعية بأشكالها المختلفة، وهو الأمر الذي سهل لها الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى من التطور والتفوق، ومن خلال ذلك اكتسبت تلك الدول مصادر القوة على اختلاف أنواعها وفروعها، وذلك منذ ظهور الثورات الصناعية الأربع بدءا من الثورة الصناعية الأولى، التي ظهرت منذ القرن الـ18، وتحديدا منذ 1765، إلى الثورة الصناعية الرابعة، التي نعيشها في هذه الفترة، وعند ذكر هذه الصناعات لا بد من ذكر صناعة مهمة جدا، ولها أثر واضح في تقدم الدول التي تمتلكها وتصنعها، ولها دور بارز وفعال في تقدمها في كثير من المجالات، مثل الصناعية والطبية والتجارية، وتشكل العمود الفقري للنمو الاقتصادي، والقوة الدفاعية، وهذه الصناعة هي الصناعات النووية، التي ستكون محور هذا المقال، الذي من خلاله سأعطي فكرة عامة عن هذه الصناعة والعلماء الذين أسهموا في اكتشافها، وعن كيفية أستخداماتها وتطبيقاتها ودورها البارز في مناحي ومناشط الحياة بشكل عام، وكذلك دورها في زيادة النمو الاقتصادي والقدرة الدفاعية الرادعة.
الطاقة النووية Nuclear Energy هي الطاقة الناتجة عن نواة الذرة المكونة من البروتونات والنيوترونات، وتعتمد بشكل أساسي على عنصر اليورانيوم، الذي تم اكتشافه 1789 من قبل العالم الكيميائي مارتن كلابروث Martin Klaproth، ألماني الجنسية، وبعد ذلك نشأت فكرة ابتكار الطاقة النووية من قبل عدد من العلماء البارزين، أمثال: العالم الفيزيائي هنري بيكريل Henri Becquerel، فرنسي الجنسية، وهو الذي اكتشف الخاصية الإشعاعية لليورانيوم 1896، والعالمة ماري كوري Marie Curie، البولندية - فرنسية الجنسية، وهي من أسس لمصطلح النشاط الإشعاعي مع زوجها الفيزيائي بيير كوري Pierre Curie، فرنسي الجنسية، وهؤلاء الثلاثة تم منحهم جائزة نوبل للفيزياء 1903 نظير جهودهم وأبحاثهم وابتكاراتهم المشتركة في هذا المجال، والعالم الفيزيائي إنريكو فيرمي Enrico Fermi، الإيطالي - الأمريكي الجنسية والحاصل على جائزة نوبل للفيزياء 1938، والعالم الكيميائي أوتو هان Otto Hahn ألماني الجنسية، والحاصل على جائزة نوبل للكيمياء 1944، وهو الذي توصل مع زميله العالم الكيميائي فريتز ستراسمان Fritz Strassmann ألماني الجنسية، إلى اكتشاف انشطار الذرة للعنصر الكيميائي 1939، التي عرفت بالانشطار النووي، وتعرف عملية تصنيع هذه الطاقة بطريقتين من التفاعلات النووية، ولشرح ذلك بشكل مبسط جدا، تسمى الطريقة الأولى بالانشطار النووي Nuclear Fission، ومن خلال هذه الطريقة يتم تقسيم نواة ذرة عنصراليورانيوم إلى ذرات أصغر، والطريقة الثانية تسمى بالاندماج النووي Nuclear Fusion، الذي ينتج عن اتحاد عدد من الذرات في ذرة واحدة، ومن العلماء أيضا، العالم ريتشارد فاينمان Richard Feynman، أمريكي الجنسية، والحاصل على جائزة نوبل للفيزياء 1965، والعالم إشفاق أحمد، وهو فيزيائي نووي باكستاني الجنسية ومتخصص في تكنولوجيا المفاعلات النووية، وكان له دور بارز في برنامج باكستان النووي.
وتستخدم الطاقة النووية في كثير من المجالات السليمة والدفاعية، فمثلا يتم استخدامها في كثير من المجالات الطبية، وفي اكتشاف وعلاج كثير من الأمراض، وفي تطوير كثير من الصناعات الطبية والعسكرية، وتعد الطاقة النووية أفضل مصدر نظيف للطاقة، وأقل تكلفة في إنتاج وتوليد الطاقة الكهربائية، وتم استخدامها أيضا، وبشكل كبير في المجال الدفاعي كوسيلة ردع، ولعل ما نشاهده اليوم من أحداث عالمية متتالية أكبر دليل على ذلك.
لذا نرى أن كثيرا من الدول تسعى وتتسابق لامتلاك زمام القيادة في هذا المجال وتنفق في سبيل ذلك المليارات من الدولارات لما سيعود عليها لاحقا بكل تأكيد من مكاسب اقتصادية، إضافة إلى قوة رادعة دفاعية.
الذي يؤكد ذلك ما جاء بالإحصائيات المعلنة لعدد المفاعلات النووية حول العالم لعام 2021، فعلى سبيل المثال، يوجد في الولايات المتحدة وحدها 93 من المفاعلات النووية الفعالة، ولديها خطط مستقبلية لإنشاء 31 مفاعلا نوويا، يوجد بروسيا 38 ولديها خطط مستقبلية لإنشاء ثلاثة مفاعلات نووية أخرى، وفي فرنسا يوجد 56 مفاعلا، وفي الصين 51 مفاعلا، وفي الهند 23 مفاعلا، وفي اليابان 33 مفاعلا، ويوجد بكوريا الجنوبية 24 مفاعلا، وفي كندا 19 مفاعلا، ويوجد في أوكرانيا 15 مفاعلا، وفي ألمانيا ستة مفاعلات، وفي باكستان خمسة مفاعلات، ومفاعل واحد في إيران، إضافة إلى إعلان عدد من الدول خططها وعزمها على تصنيع هذه الطاقة بإنشاء مفاعلات لتوليدها في الأعوام المقبلة.
ولم تغفل القيادة السعودية، عن أهمية هذا الجانب، بل وضعت لذلك الخطط الاستراتيجية والمستقبلية، وضمنت ذلك ضمن برامجها التطويرية، ونحن نرى أثر ذلك على أرض الواقع، حيث أنشئت لهذا الغرض مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة King Abdullah City for Atomic and Renewable Energy: KACARE، التي تتبنى برنامج تطوير الطاقة النووية، الذي يشمل المشروع الوطني للطاقة الذرية، الذي يقع من ضمن مهامه جعل الطاقة الذرية جزءا من منظومة الطاقة في المملكة وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، ويشمل كذلك تطوير البنية التحتية، وتحديد وتهيئة مواقع بناء أول محطة للطاقة النووية، كما تم الإعلان أخيرا عن تأسيس الشركة السعودية القابضة للطاقة النووية لتتمكن من المشاركة في المشاريع الاقتصادية النووية محليا ودوليا، إضافة إلى هدف تشغيل وتطوير المرافق النووية لإنتاج الطاقة والمياه المحلاة والتطبيقات الحرارية، ووضع الخطط الاستراتيجية والاعتماد على العنصر البشري محليا، وإيجاد بيئة ابتكار ناجحة في هذا المجال، ولا شك أن تكامل ذلك كله مع ما تم الإعلان عنه من قبل وزير الطاقة في هذا الإطار من أن الدولة - وفقها الله - قد تنتج الهيدروجين بالطاقة النووية، في إطار تنويع الاقتصاد ومع متطلبات الهيئة العامة للتطوير الدفاعي والمراكز البحثية والتعليم، ما سيوفر نموا اقتصاديا مستداما وقوة دفاعية رادعة.
ولعلي في مقالات قادمة أتحدث بشيء من التفصيل عن كيفية الاستفادة من جميع ما تم ذكره سابقا من ابتكارات وتقنيات، وخاصة في تطوير المجالات الدفاعية المختلفة.