تنمية القدرات البشرية .. الجانب الاجتماعي

يستهدف برنامج تنمية القدرات البشرية إعداد مواطن قادر على المنافسة عالميا. ويهتم البرنامج في هذا الشأن، كما بينا في المقالين السابقين، بالعمل على إكساب المواطن صفات حميدة، تعطيه قدرات متميزة، تفيده في مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك الجانب الاجتماعي. ولا شك أن لقدرات الإنسان الاجتماعية دورا مهما في نجاحه سواء على مستوى حياته الشخصية التي يعيشها مع أسرته وبين أصدقائه، أو على مستوى الحياة المهنية في العمل بين زملائه ورؤسائه ومرؤوسيه، فضلا عن أثر هذه القدرات في المجتمع بأسره. وإذا نظرنا إلى سعادة الإنسان، لوجدنا أنها تكمن في أثره فيمن حوله، وقدرته على تحقيق أداء متميز على كل من المستويين الشخصي والمهني.
بناء على ما سبق، يناقش هذا المقال الصفات الشخصية الواردة في برنامج تنمية القدرات البشرية، والمرتبطة بقدرات الإنسان على التعامل مع الآخرين، سواء في حياته الشخصية، أو الاجتماعية. وفي هذا الإطار يهتم المقال بأثر هذه القدرات في الحد من المشكلات الاجتماعية القائمة فعلا، مثل حالات الطلاق التي تدل على ضعف التعامل الأسري، وحوادث المرور التي تشير إلى عدم الالتزام بالأنظمة المطلوبة. ويهتم المقال أخيرا، بمسألة الابتكار الاجتماعي، ودوره في تقديم أفكار تعزز القدرات البشرية بإمكانات اجتماعية متجددة تعزز أثرها الإيجابي في المجتمع.
بشأن مشكلة الطلاق تقول الإحصائيات الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء، إن عدد حالات الطلاق في المملكة، وصل أخيرا إلى 38 في المائة من عدد حالات الزواج، أي: أكثر من الثلث، ويبدو أن هذه النسبة في طريقها إلى التزايد. والطلاق بالطبع يؤدي إلى خسائر مادية ونفسية كبيرة، فضلا عن المشكلات الاجتماعية التي يتعرض لها الأطفال عندما يفقدون دفء الأسرة بين أب وأم متحابين.
أعطى برنامج تنمية القدرات البشرية، صفات إنسانية عدة يمكن أن تسهم في الحد من حالات الطلاق، إذا تحلى بها أصحاب العلاقة، أي: الرجل والمرأة بالطبع، إلى جانب أصحاب التأثير فيهما من أسرتيهما والمقربين إليهما أيضا. وهناك، في هذا المجال، أربع صفات طرحها البرنامج، في موضوع القيم والسلوكيات، وهذه الصفات، هي: الإيجابية، والمرونة، والتسامح، إضافة إلى القدرة على التكيف.
ثم هناك، إضافة إلى ما سبق، ثلاث صفات أخرى قدمها البرنامج في موضوع المهارات، وترتبط هذه الصفات بمهارات التفكير، والمهارات الاجتماعية، والعاطفية. ويضاف إلى ذلك أيضا صفة إدراك المسؤولية الاجتماعية. ولنا أن نتخيل ماذا يمكن أن يحدث لو أن جميع أصحاب العلاقة في دائرة الزواج تحلوا جميعا بهذه الصفات الجميلة. صحيح أن مثل هذا الأمر قد لا يستطيع وقف حالات الطلاق تماما، لكنه سيؤدي بالتأكيد إلى الحد منها، لأن الاستعداد للتفاهم والقدرة على تنفيذه على أرض الواقع سيكونان أكبر، وأكثر تأثيرا مع وجود هذه الصفات.
ولعل من المفيد هنا إلقاء بعض الضوء على مهارة الذكاء العاطفي Emotional Intelligence التي تتمتع بأهمية واضحة، في إطار المهارات سابقة الذكر، حيث تجمع بين إدراك العاطفة، وتفعيل التفكير، وتوخي حسن السلوك الاجتماعي أيضا. وتجب هنا الإشارة أولا إلى أن هذه المهارة، ليست موهبة، بل هي كأي مهارة أخرى قابلة للتعلم والاكتساب، وهي من الصفات الحميدة في السلوك ليس نحو الآخرين فقط، بل نحو الذات أيضا، بما يجعل الإنسان أكثر قدرة على المرونة والتكيف. وتتلخص مهارة الذكاء العاطفي في تمكن الإنسان من القدرة على تلقي إشارات توصف بأنها عاطفية، لأنها تختص بالتعبير عن الحالة العاطفية لمصدر الإشارة. فالذي يتمتع بمهارة الذكاء العاطفي يستطيع تلقي إشارات حول الحالة العاطفية لمن حوله، وكذلك الحالة العاطفية لذاته، وعلى أساس هذه الإشارات يقوم عبر التفكير الإيجابي بضبط سلوكه ليكون مناسبا للبيئة من حوله.
فإذا كانت الإشارة العاطفية صادرة عن الذات، وتنذر بحالة غضب، وجب على الذكي عاطفيا الحد من هذا الغضب والتحكم فيه، كي لا يتورط بسلوك هو ذاته لن يرضى عنه فيما بعد. وإذا كانت مثل هذه الإشارة صادرة عن شخص عزيز، وجب على هذا الذكي أن يحاول استيعاب غضب هذا الشخص. أما إذا كانت الإشارة الغاضبة صادرة عن شخص غريب أو جديد بين الأصدقاء، فيستحسن عدم التعامل مع هذا الشخص وهو في مثل هذه الحالة، لأنه لن يكون جاهزا للتواصل الإيجابي. وبالطبع قد تحمل الإشارات العاطفية تعبيرات إيجابية، عندئذ يكون التعامل ميسرا ومجديا.
وننتقل إلى مشكلة حوادث المرور التي تحمل مآسي كبيرة، حيث تقول الهيئة العامة للإحصاء، إن عدد حوادث المرور، على مستوى المملكة، في عام واحد، هو عام 2017، بلغ أكثر من 460 ألف حادث، نتج عنها وفاة أكثر من سبعة آلاف شخص، إضافة إلى أكثر من 30 ألف مصاب. ولا بد بالطبع من الحد من هذه المآسي. وهناك في صفات المواطن التي وضعها برنامج تنمية القدرات البشرية، معطيات يمكن أن تسهم في ذلك. ففي موضوع "القيم والسلوكيات"، هناك صفة الانتماء الوطني التي يمكن أن تحفز كل مواطن على حفظ أبناء وطنه وحفظ ذاته من شرور المخالفات المرورية، بل غيرها من مخالفات أيضا. ثم هناك في هذا الموضوع صفة الانضباط والالتزام بالأنظمة المطلوبة، فضلا عن صفة إدراك المسؤولية الاجتماعية.
يطرح برنامج تنمية القدرات البشرية أفكارا عديدة ومفيدة للارتقاء بالإنسان، ليس فقط ليكون منافسا في العطاء والإنجاز على مستوى العالم، بل ليكون أفضل سلوكا، بل أكثر سعادة، في أدائه الذاتي، وتعامله مع الآخرين. وإذا كان هذا المقال قد ناقش دور بعض الصفات التي طرحها البرنامج في الحد من حالات الطلاق، وحوادث المرور، فإن لهذه الصفات دورا أيضا في تقديم حلول قابلة للتنفيذ، لقضايا المجتمع الأخرى. والأمل أن تكون هناك جهود مستقبلية في الابتكار الاجتماعي تعطي حلولا ناجعة للمشكلات الاجتماعية القائمة، تعود بالنفع على الأجيال المتجددة المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي