السماد البشري

في كل مرة يحاول الإنسان الخروج عن المألوف ومخالفة السنن الكونية يعود أدراجه حين يكتشف خطورة أفعاله، فالخالق -عز وجل- وضعنا على هذه الأرض ووفر لنا سبل العيش وسن لنا القوانين وأمرنا أن نسعى في الأرض فنتعلم ونكتشف ما يساعدنا على إعمار الأرض وحمايتها.
ومن أغرب الأمور التي يحاول البشر الخروج فيها عن المألوف ومخالفة السنن الكونية بدعوى الحفاظ على البيئة، عملية دفن الموتى التي علمنا الله إياها عن طريق الغراب -المعلم الأول للبشرية- حين اقتتل الأخوان ووقف قابيل حائرا ونادما أمام جثة أخيه، إلى أن رأى غرابا يحفر في الأرض ليواري جثة غراب آخر، هنا جاء الفرج للأخ القاتل ولعله بذلك يكفر عن جزء من ذنبه ويكرم أخاه بدل أن يترك جسده تنهشه الوحوش الضارية والطيور الجارحة. إنه نظام بيئي كوني للحفاظ على البيئة فكان التشريع البيئي من أوائل التشريعات التي عرفتها البشرية. فالموارة والدفن حكمة إلهية وسنة كونية وقاعدة من قواعد التشريع البيئي لمنع التلوث وانتشار الأوبئة والأمراض.
فبعد فشل حرق الجثث التي استعاض بها البعض عن الدفن بدعوى أنها أفضل منه وأقل تكلفة واكتشافه عدم جدوى هذه الطريقة والضرر الذي تسببه من استهلاك كميات كبيرة من الوقود، فضلا عن كمية الغازات الدفيئة المنبعثة من الحرق، ذهبوا إلى ما يسمونه بالموت الأخضر كفكرة طرحتها المعمارية الأمريكية كاترينا سبيد، في 2011، أو الموت الصديق للبيئة أو الموت الحضاري، أسماء رنانة تبرر لهم مخالفة سنة الله في الكون. لقد حولوا عملية الدفن إلى عملية "اختزال عضوي طبيعي" وفيه يقومون بوضع الجثة في صندوق حديد مفروش بمواد عضوية من نشارة الخشب والبرسيم الحجازي، ويطلب من عائلته وضع القش والزهور فوقه ثم يحاط جسد الميت بتقنيات توفر النيتروجين والأكسجين والرطوبة اللازمة، لتنمو البكتيريا التي تحلل الجثة التي يتم تقليبها كل فترة، وفي منتصف العملية تسحب العظام وتطحن إلى جزيئات دقيقة قبل إعادتها إلى الحاويات، لتحويلها إلى سماد بشري خلال 60 يوما. وتستطيع العائلات الاحتفاظ بالكمية التي ترغب فيها من السماد البشري، فيما يستخدم ما يتبقى في إعادة تأهيل سفح هضبة في مدينة كنت الواقعة قرب سياتل الذي كان في السابق ملجأ لمتعاطي المخدرات، ومليئا بالسيارات التي اخترق الرصاص بعضها وأصبحت واشنطن "غرب الولايات المتحدة" في 2019 أول ولاية أمريكية تشرع اللجوء إلى "الاختزال العضوي الطبيعي" في التخلص من الجثث بدلا من اعتماد حرقها أو دفنها. تخيل أن تقف على أرض وتطأ عشبا تعرف أنه رفات أحد والديك أو تشم وردة نتجت عن تحلل جسد ابنك!.
ورغم رفض كثيرين الفكرة لمعارضتها المعتقدات الدينية وعدم ثبوت مأمونيتها على البيئة إلا أنها بدأت تنتشر في أرجاء الولايات المتحدة وأوروبا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي