أزمة تلو أزمة .. كيف يستطيع العالم المواجهة؟ «1»
نحن ببساطة، نواجه أزمة فوق أزمة. أولا، الجائحة التي قلبت حياتنا واقتصاداتنا رأسا على عقب ولم تنته بعد. ويمكن أن يتسبب استمرار انتشار فيروس كورونا كوفيد ـ 19 بظهور سلالات متحورة أشد عدوى، بل الأسوأ من ذلك أنها قد تكون أشد فتكا، ما يحدث مزيدا من الاضطرابات ومزيدا من التباعد بين الدول الغنية والفقيرة. ثانيا، الحرب بين روسيا وأوكرانيا، المدمرة للاقتصاد، ترسل تداعيات الصدمة أيضا إلى مختلف أنحاء العالم.
وفوق ذلك كله، هناك المأساة الإنسانية ـ معاناة الرجال والنساء والأطفال العاديين في أوكرانيا، الذين شرد منهم 11 مليون شخصا.
لقد انتقلت العواقب الاقتصادية للحرب انتقالا سريعا وبعيد المدى إلى دول الجوار وغيرها، ووقع تأثيرها الأشد في الفئات الأكثر ضعفا في العالم. فمئات الملايين من الأسر كانت تعاني بالفعل تحت وطأة انخفاض الدخل وارتفاع أسعار منتجات الطاقة والغذاء. وجاءت الحرب لتفاقم من هذه المعاناة، وتهدد بزيادة عدم المساواة.
وللمرة الأولى منذ أعوام عديدة، أصبح التضخم خطرا واضحا وحاضرا بالنسبة إلى كثير من الدول حول العالم.
إنها نكسة هائلة في مسيرة التعافي العالمي.
وبلغة الاقتصاد أقول، إن النمو انخفض والتضخم ارتفع. أما بلغة الإنسانية فأقول، إن دخول الناس انخفضت والمشقة التي يتحملونها زادت. وهناك مخاطرة متنامية أخرى زادت من تعقيد هذه الأزمة المزدوجة ـ الجائحة والحرب ـ وقدرتنا على التعامل معها، وهي تشتت الاقتصاد العالمي في شكل كتل جغرافية/ سياسية، تختلف في معاييرها التجارية والتكنولوجية، ونظم دفعها، وعملاتها الاحتياطية.
ومثل هذا التحول المزلزل يجلب معه تكاليف قاسية للتكيف. فقد تتحطم سلاسل الإمداد، وعمليات البحث والتطوير، وشبكات الإنتاج وتتعين إعادة بنائها. وستتحمل الدول الفقيرة والأفراد الفقراء مغبة هذه الاختلالات.
ولعل تشتت الحوكمة العالمية هي أخطر تحد أمام الإطار القائم على القواعد الذي حكم العلاقات الدولية والاقتصادية لأكثر من 75 عاما، وساعد على تحقيق تحسينات ملموسة في مستويات المعيشة حول العالم.
وقد بدأ بالفعل يضعف قدرتنا على العمل معا لحل الأزمة المزدوجة التي نواجهها. ومن الممكن أن يجعلنا عاجزين تماما عن التصدي لتحديات عالمية أخرى. إنها لحظة لها تبعات على المجتمع الدولي.
فالإجراءات التي سنتخذها الآن، معا، تحدد مساراتنا الأساسية في المستقبل. وهي تذكرنا ببريتون وودز في 1944 حين اجتمع القادة في ظلال الحرب القاتمة، لتصور عالم أكثر إشراقا. كانت لحظة جسدت شجاعة وتعاونا غير مسبوقين. ونحن بحاجة إلى تلك الروح اليوم، إذ نواجه تحديات أكبر وخيارات أكثر صعوبة.
فقد كان التعافي العالمي قد بدأ يفقد زخمه بالفعل قبل الحرب في أوكرانيا، وهو ما يعزى جزئيا إلى الارتباكات التي أحدثتها سلالة أوميكرون.
وفي كانون الثاني (يناير)، خفضنا تنبؤاتنا للنمو العالمي إلى 4.4 في المائة لـ2022. ومنذ ذلك الحين، شهدت الآفاق تدهورا شديدا، وذلك في الأساس بسبب الحرب وتداعياتها. وينوء النشاط الاقتصادي أيضا بعبء التضخم والتشديد المالي وتكرار الإغلاقات العامة واسعة النطاق في الصين، ما ينشئ اختناقات جديدة في سلاسل الإمداد العالمية... يتبع.