الموارد المائية وتطوير القطاع الزراعي
الماء مكون أساسي في الطبيعة، بل هو العنصر الأول من عناصر البيئة الأساسية "الماء، الهواء، التربة، الكائنات الحية"، وما يحدث بينها من تفاعل واتزان، والحياة مرتبطة بوجود المياه، فالكواكب التي ليس فيها ماء ليست فيها حياة. بالماء والتربة والهواء تكونت الغابات بتدبير الخالق - جل وعلا - وأزهر الغطاء النباتي، وهو عماد إنتاج الغذاء من خلال الزراعة، وكلما كانت المناطق مطيرة وذات وفرة مائية وتربة صالحة ازدادت فرص التوسع في إنتاج الغذاء بها. المملكة العربية السعودية بلد بحجم قارة مختلفة التضاريس الجغرافية ومتعددة الأجواء المناخية، ورغم أن وسطها يعد صحراويا عموما، إلا أنها، ولله الحمد، تضم تكوينات مائية واعدة يعتمد عليها، بعد الله، في إنتاج معظم احتياجاتها من الغذاء الأساسي، فشمال السعودية مناخه يتناسب ومناخ حوض البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي معظم منتجات هذا الحوض من أصناف الفواكه والحبوب يمكن إنتاجها، وجنوبها يمثل المناخ الاستوائي ومؤهل لإنتاج المنتجات الاستوائية ومرتفعاتها الجنوبية ومعدلات الأمطار الجيدة عليها تناسب منتجات من الحبوب والقهوة والشاي والزعفران وغيرها، هذا التنوع المناخي بالقارة السعودية وعبر ملايين الأعوام أوجد تكوينات مائية سطحية وعميقة سنلقي عليها مزيدا من التعريف.
المياه الجوفية Ground Water:
وهي عبارة عن المياه، التي جرى تسريبها عبر مسام الصخور الرسوبية إلى جوف الأرض، وتنقسم إلى نوعين من المياه الجوفية: مياه جوفية قابلة للتجديد "غير عميقة": وهي مياه الآبار التي يجري حفرها على أعماق 100 متر أو أقل، وهي مياه جوفية غير عميقة وقابلة للتجدد من مياه الأمطار. ومياه جوفية غير قابلة للتجديد "عميقة": وهي مياه في تكوينات "طبقات" رسوبية ذات أعماق مختلفة تختزن الماء بين مساماتها. ويجري في الوقت الحاضر استعمال الجانب الأكبر من المياه الجوفية القابلة للتجديد في الزراعة التقليدية وللأغراض المنزلية. وهذا النوع من المياه موجود عموما في طبقات جوفية تتكون من طبقات رسوبية تتبع مسارات مجاري الوديان، وتغطي المياه الجوفية القابلة للتجديد 48 في المائة من احتياجات المملكة ومحددة التجديد 50 في المائة من 1400هـ، ثم أصبحت المياه الجوفية القابلة للتجديد تشكل نحو 13.8 في المائة من احتياجات المملكة عام 1415هـ. أما المياه الجوفية غير القابلة للتجديد، فتشكل نحو 81.5 في المائة من احتياجات المملكة للمياه عام 1415هـ، ومع توجه الدولة إلى ترشيد استخدام المياه من المصادر محدودة التجديد والتوسع في محطات تحلية مياه البحر انخفضت نسبة المياه من المصادر محدودة التجديد إلى 57 في المائة من إجمالي احتياجات المملكة من المياه المتاحة عام 1420هـ. وأوضحت الدراسات الجيولوجية وجود كميات كبيرة منها، ولا بأس بها في أنحاء متفرقة من المملكة، إذ تم اكتشاف 28 طبقة حاملة للمياه، تسع منها فقط تحتوي على مياه جوفية صالحة للاستعمال، وتغطي مساحة شاسعة في المملكة، ويمتد بعض هذه المتكونات داخل حدود الدول العربية المجاورة للمملكة، ومن أهم هذه المتكونات:
[أ] التكوينات الرئيسة:
(1) تكوين الساق: ويمتد من الأردن إلى وسط المملكة وجنوبها، ويحمل كميات كبيرة من المياه، ويستفيد من الجزء الشرقي من التكوين منطقة القصيم، مثل: بريدة وعنيزة ومنطقة السر والأسياح وشرق حائل ومنطقة تبوك وتيماء. ويراوح عمق المياه في تكوين الساق بين 100م في منطقة الجنوب و1850م في القصيم.
(2) تكوين تبوك: يمتد من الأردن أيضا إلى جنوب القصيم، وتستفيد منه المناطق السابقة عدا منطقة السر.
(3) تكوين الوجيد: يوجد في جنوب المملكة ووسطها، وتستفيد منه منطقة وادي الدواسر.
(4) تكوين المنجور: يعد من التكوينات العميقة نسبيا، حيث يوجد على أعماق تصل لأكثر من 1800م، ويوجد في وسط المملكة، وتستفيد منه منطقة الرياض وسدير والوشم والخرج والأفلاج والسليل.
(5) تكوين أم الرضمة: يمتد من جنوب العراق إلى وادي الدواسر، وتختلف نوعية مياهه تبعا لبعده عن المناطق الساحلية. وتستفيد منه المنطقة ،مثل الظهران وشدقم والخبر والدمام وحرض، وبعض المناطق في الأحساء ووادي المياه.
(6) تكوين الدمام: يعد من أهم التكوينات المائية اقتصاديا، نظرا لقلة عمقه وسهولة الحفر فيه ونوعية مياهه، وتستفيد منه الخبر والدمام والقطيف والهفوف.
(7) تكوين النيوجين: ينتشر هذا التكوين في شرق المملكة بدءا من وادي الدواسر جنوبا إلى وادي السرحان شمالا، وتعتمد الزراعة في الوادي ومنطقة الأحساء بشكل رئيس على هذا التكوين، حيث يستمد معظم العيون الموجودة هناك مياهها منه.
(8) تكوين الوسيع: تستفيد منه منطقة الرياض وخريص والمناطق الشرقية من الخرج وشدقم وبقيق.
(9) تكوين البياض: تغذى من مياهه مدينة الرياض وبعض أجزاء الخرج والأفلاج.
[ب] التكوينات الثانوية:
هذه الطبقات سميت بالثانوية إما لمحدودية امتدادها الجيولوجي أو لانخفاض إنتاجيتها عن الطبقات الرئيسة، وتشمل سبع طبقات، هي:
(1) طبقة الجوف: تستفيد من مياهها منطقتا عرعر والجوف.
(2) طبقة برواث: تستفيد من مياهها منطقة عرعر.
(3) طبقة خف: تستفيد من مياهها مناطق شرق القويعية والقصيم ومنطقة جنوب وادي الدواسر.
(4) طبقة الجلة: تستفيد من مياهها منطقة شمال الرياض.
(5) طبقة ضرماء: تستفيد من مياهها منطقتا الزلفي وضرما.
(6) طبقة سكاكا: تستفيد من مياهها منطقة سكاكا.
(7) طبقة العرمة: تستفيد من مياهها منطقتا عرعر ورفحاء.
وتقدر خطة التنمية السابعة كمية المياه الجوفية المتجددة في التكوينات الرئيسة والثانوية، التي يمكن الاستفادة منها بنحو ثلاثة آلاف مليون م3 سنويا. وقدر أطلس المياه في المملكة احتياطيات المياه في التكوينات الجوفية الرئيسة "العميقة" والثانوية "غير العميقة" بنحو 500 مليار متر مكعب.
هناك آراء ونظريات أيضا، أن لهذه التكوينات تغذية ولو بطيئة تتم وفق العصور الجيولوجية.
هذا التصور موجود عند بدء النهضة الزراعية في المملكة، اعتمادا على الله، ثم على هذه التكوينات، التي يتم قياس منسوب النزول فيها وفق أكثر من "مائة" بئر اختبارية، وكانت في حدود آمنة في معظم أنحاء هذه التكوينات. وصلت معها المملكة إلى الاكتفاء الذاتي من القمح بإنتاج ثلاثة ملايين طن سنويا، واكتفاء ذاتي في الأعلاف الخضراء، ومعظم المنتجات الزراعية.
فالمملكة العربية السعودية، ولله الحمد، غنية بمواردها المائية والمالية، وتعد من الدول الرائدة في تحلية المياه، ولذا تمت إعادة زراعة القمح ودعم إنتاجه وتشجيع الزراعة عموما مع ترشيد استهلاك المياه، والاستفادة من التقنيات الحديثة في الري والاعتماد، بعد الله، على سواعد أبنائها في الاكتفاء من احتياجاتها الغذائية، سواء من الحبوب أو الخضراوات أو الفواكه أو الألبان والدواجن واللحوم الحمراء والأسماك. وقد آن الأوان أن نلتفت لقطاعنا الزراعي ونعيد ترميمه، ونزيد الدعم لمنتجي الغذاء محليا، سواء من المزارعين أو مصنعي الأغذية، ونزيل من طريقهم العوائق والصعوبات التي تواجههم، ليطمئن المستهلك بهذه البلاد المباركة على أن غذاءه ينتج محليا، ولا يخضع لظروف الآخرين وأحوالهم، إضافة إلى ما في ذلك من حدوث حراك اقتصادي عام وفرص وظيفية.