نظام نقدي يصلح للعصر الرقمي «1 من 3»
نركز خلال هذه الأيام والأيام الماضية في مناقشاتنا تركيزا صائبا على مسألة أساسية، وهي كيفية تأمين نظام نقدي دولي مستقر وكفء وشامل للجميع يصلح للعصر الرقمي. وشهدت العقود المتعاقبة تطورا في نظام القواعد والآليات والمؤسسات التي تحكم الترتيبات النقدية وتدفقات رأس المال بين الدول. ولمواصلة تعزيز الاستقرار المالي والتنمية الاقتصادية في كل مكان، يجب أن يستمر في التطور والتكيف في عالم سريع التغير.
ومصداقا لذلك ما علينا إلا مشاهدة الإنجاز السويسري المبهر في إنشاء شبكة طرق وسكك حديدية، وجسور وأنفاق، يتوافق تصميمها مع طبيعة التضاريس المتنوعة، والصعبة في كثير من الأحيان. وأسوة بذلك يجب أن نتأكد من تصميم النظام النقدي الدولي على نحو يواكب المشهد الاقتصادي العالمي المتغير. وإذ نتطلع إلى تحقيق مستقبل رقمي ينبغي أن يكون النظام قادرا أيضا على الصمود في مواجهة عوامل التشتت المتنامية. وزادت قوة هذه العوامل من جراء التدخل الروسي في أوكرانيا. ولم تقتصر العواقب على المعاناة الإنسانية الهائلة، بل امتدت أيضا إلى إحداث صدمة اقتصادية عالمية وزيادة حادة في مخاطر نشوب حرب باردة جديدة. عالم يمكن أن يتفتت إلى تكتلات اقتصادية متفرقة، ما توجد عقبات أمام تدفق رأس المال والسلع والخدمات والأفكار والتكنولوجيات عبر الحدود. وتلك هي نفسها محركات التكامل التي عززت الإنتاجية ورفعت مستويات المعيشة، ما زاد حجم الاقتصاد العالمي ثلاثة أضعاف وانتشل 1.3 مليار نسمة من ربقة الفقر المدقع على مدار العقود الثلاثة الماضية. وبالتالي، فإن تكلفة التشتت ستكون باهظة، وسيلحق أكبر الضرر بأضعف فئات المجتمع وأكثر الدول هشاشة.
وإزاء هذه المخاطر يمكننا الاستسلام للاتجاهات السائدة التي تجعل العالم أفقر وأقل استقرارا، أو العمل بمزيد من الجد سعيا للوصول إلى مسارات تحول دون تشتت النظام النقدي الدولي، تماما كما يجب أن نعمل معا لمواجهة التهديدات العالمية، مثل تغير المناخ. ويتعين علينا أن نصمم وننشئ البنية التحتية التي من شأنها تيسير مزيد من التكامل. ويتضمن هذا تكثيف عملنا بشأن المدفوعات العابرة للحدود. وتحديدا أود التركيز اليوم على مسألة إنشاء بنية تحتية عامة جديدة تربط بين نظم المدفوعات المختلفة وتنظمها، بغية التصدي لتشتت النظام النقدي الدولي. ومن شأن ذلك أن يكون وسيلة جديدة للربط بين الأفراد والأسواق والاقتصادات في العالم الرقمي.