استمرار أزمة الطاقة
يتوقع أن يصل سكان العالم إلى ثمانية مليارات قبل نهاية العام، ربما ليست مفاجأة أن تكون أغلبية الزيادة في دول لا تستهلك طاقة قريبة من مستوى الدول الغنية، لذلك سيستمر النمو في الطلب. ظاهرة التضخم التي سيطرت على المشهد الاقتصادي ربما ساعدت على إخفاء التغيرات الجوهرية في قطاع الطاقة عموما، وإعادة ترتيب مصادر الطاقة في ظل محاولات دعم الطاقة المتجددة، مشهد معقد بدأ قبل الحرب، لكنها أضافت مستوى آخر من التعقيد، فضلا عن الضغوط المالية على الجميع ـ ضغوط معيشية منها الطاقة على الدول الفقيرة، وضغوط مالية على الدول المتقدمة في خيارات الطاقة.
يتناول الاقتصاديون عوامل الإنتاج إلا أنه نادرا ما تسمع أو تقرأ أن الطاقة عامل إنتاج مستقل لأسباب لا أعرفها، لكن ممكن التخمين بأن تكلفة الطاقة لم تكن عالية أو ربما أنها كانت مدمجة في التقنية والماكينات الرأسمالية دون تفصيل في عرف اقتصادي، ربما حان الوقت للتخلص منه. وبعيد عما قد يراه البعض أنه تفصيل أكاديمي هناك أزمة مستمرة، ولذلك ستنتهي بإعادة تسعير كل مصادر الطاقة. فمثلا مراجعة للخريطة النفطية سنجد أهم ثلاث دول منتجة: أمريكا، لديها عدة تحديات منها ما هو فوق الأرض، مثل الترخيص للمصافي ونقص الاستثمارات الرأسمالية والتخويف بالسياسات البيئية، وتحت الأرض، متمثلا بالتساؤلات المستمرة حول النفط الصخري. وروسيا، التي بسبب الحرب ستعاني نقص الاستثمارات وربما التقنية، حيث بدأ تناقص الإنتاج، بينما أعلنت السعودية، أن سقف سعة الإنتاج حدد عند 13 مليون برميل حفاظا على الاحتياطيات وتحذيرا للعالم حول نقص الاستثمارات. أغلب قدرات المنتجين الأصغر تعاني مشكلات فوق الأرض، لكن التوجه أيضا قريبا سيقود إلى تحديات تحت الأرض، فمثلا كانت التوقعات حول إنتاج العراق عند ثمانية ملايين قبل 15 عاما، إلا أن الإنتاج توقف عند 4.5 مليون، وليس الغاز في مركز أفضل، خاصة أن أسعاره سجلت ارتفاعا أعلى كمؤشر على عامل ندرة وتوزيع لا يخدم التنافس. بل كل ما ذكر عن الطاقة الأحفورية ربما أسهل من الطاقة المتجددة. التوجه من الزيت والغاز إلى المعادن رحلة مكلفة وغير ممكنة زمنيا أو اقتصاديا بما يخدم الطاقة كعامل إنتاج مقبول التكلفة أو في توزيعها الجغرافي بما في ذلك من مخاطر سياسية أو التبعات البيئية. في المدى القريب نسبيا هناك احتمال تباطؤ في الاقتصاد العالمي ربما مصحوب بأزمات عالمية، مثل ما حدث في سريلانكا، لكن في دول أكبر حجما، فالحالة المالية بسبب حجم الديون وارتفاع الفوائد والمشكلات الاقتصادية قد تشعل أزمات في دول أخرى، وهناك قائمة متداولة للمرشحات لذلك.
الشتاء المقبل اختبار لم تشهده اقتصادات الطاقة من قبل، ستأخذ المواجهة الأوروبية الروسية نقطة انعطاف واختبار للاتحاد الأوروبي. الحالة الجديدة أفادت المملكة جيوسياسيا وماليا. للنجاح عامل مضاعف بلغة الاقتصاديين. يبدو أن المملكة استغلت الفرصة لمزيد من الإصلاحات، لذلك جاءت إعادة هيكلة مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة بغرض الحد من الازدواجية والتكاليف، وكذلك مراجعة سياسة توزيع الغاز، وإعلان برامج الطاقة الشمسية. في أدبيات التنمية الاقتصادية أحيانا يتحقق النجاح بسبب نجاح قطاع ليس ذا حجم مؤثر، بينما الفرصة لدينا أكبر بكثير بسبب دور القطاع في المنظومة الاقتصادية.