استمرار السطوة رغم الكبوة «4»

تفرض التغيرات التي يشهدها النظام النقدي الدولي تهديدات إضافية على عملات الاقتصادات الأصغر حجما والأقل نموا. فبعض هذه الدول ولا سيما تلك التي تفتقر بنوكها المركزية أو عملاتها للمصداقية، قد تتعرض للغزو من العملات الرقمية غير الوطنية.
ويمكن للعملات الوطنية الصادرة عن البنوك المركزية لهذه الدول، ولا سيما العملات التي لا يسهل استخدامها لعدم ملاءمتها أو العملات متقلبة القيمة، أن تحل محلها العملات الرقمية المستقرة، أي العملات المشفرة الخاصة التي تصدرها الشركات متعددة الجنسيات أو البنوك العالمية التي عادة ما تكون مدعومة بالدولار للمحافظة على استقرارها، أو العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى. حتى العملات المشفرة متقلبة القيمة، مثل بيتكوين، قد تكون لها أفضلية على العملة المحلية في أوقات الاضطرابات الاقتصادية، فضلا عن دورها في تسهيل هروب رأس المال.
لكن الاضطرابات الاقتصادية ستؤدي على الأرجح إلى زيادة دولرة الاقتصادات، ولا سيما إذا أصبحت النسخة الرقمية من العملات المعروفة مثل الدولار متاحة بسهولة في مختلف أرجاء العالم.
ورغم أن التكنولوجيات الرقمية تتيح أشكالا جديدة من النقود التي يمكن أن تفرض تحديات على العملات الورقية وتؤذن ببداية عصر جديد من المنافسة بين العملات المحلية والدولية، من المحتمل أيضا أن تؤدي هذه القوى الجديدة إلى مزيد من المركزية، ما قد يجعل بعض العملات تكتسب مزيدا من القوة والنفوذ. وبعبارة أخرى، فإن عديدا من هذه التغيرات قد تسهم في تعزيز هيمنة الدولار وليس العكس.
هناك عوامل أخرى داعمة لهيمنة الدولار، ولا سيما الخسائر المحتملة في حالة تراجعه. وتبلغ حيازات المستثمرين الأجانب، بما في ذلك البنوك المركزية، من دين الحكومة الأمريكية نحو ثمانية تريليونات دولار. كذلك يبلغ إجمالي الالتزامات المالية الأمريكية تجاه باقي العالم 53 تريليون دولار. ونظرا إلى أن هذه الخصوم مقومة بالدولار، لن يؤدي تراجع قيمة الدولار إلى أي تغيير في حجم التزامات الولايات المتحدة، لكنه سيحد من قيمة هذه الأصول بعملات الدول التي تمتلكها. فحيازات الصين من سندات الحكومة الأمريكية على سبيل المثال ستتراجع قيمتها باليوان.
سيحتفظ الدولار بدوره على الأرجح باعتباره العملة المهيمنة على الاحتياطيات الدولية حتى إن تراجعت أهميته كإحدى عملات الدفع.
وعلى الجانب الآخر، نجد أن حيازات المستثمرين الأمريكيين من الأصول الأجنبية، التي تبلغ 35 تريليون دولار تقريبا، مقومة بالكامل بعملات أجنبية. وبالتالي فإن زيادة قيمة تلك العملات مقابل الدولار تعني زيادة قيمة الحيازات إذا ما تم تحويلها إلى الدولار. ورغم أن الولايات المتحدة تصنف كمدين صاف تجاه باقي العالم، فإن تراجع قيمة عملتها قد تنشأ عنه أرباح استثنائية لمصلحة الولايات المتحدة وخسائر ضخمة في باقي العالم. لذلك ففي المستقبل القريب، يمكن أن يثير التراجع الحاد في قيمة الدولار مخاوف حتى بين منتقديه، ليظل العالم حبيسا في "فخ الدولار".
الخلاصة، إن الدولار سيحتفظ بدوره على الأرجح باعتباره العملة المهيمنة على الاحتياطيات الدولية حتى إن تراجعت أهميته كإحدى عملات الدفع، وهو أمر غير مؤكد في حد ذاته.
والاحتمال الأكبر أن العملات الأخرى سيعاد تقدير أهميتها النسبية بينما يظل الدولار محتفظا بسطوته. وهكذا فإن التكنولوجيات الجديدة والتطورات الجغرافية ـ السياسية قد تسهمان في ترسيخ وضع الدولار بدلا من الإطاحة به.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي