دلالة التثاؤب
من الممارسات العجيبة التي عرفها الإنسان منذ القدم عملية التثاؤب، التي حيرت العلماء في معرفة أسبابها، إذ على الرغم من وجود عديد من النظريات حول أسباب التثاؤب وفوائده، إلا أن العلم ما زال عاجزا عن إثبات أي من نظرياته حول ذلك.
للتثاؤب اهتمام خاص في ثقافة المسلمين، إذ إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أرشد إلى ما ينبغي عمله عند التثاؤب ".. فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع". وفي رواية أخرى "فليضع يده على فيه".
يرتبط التثاؤب عند كثير من الناس بالنوم والنعاس وعادة ما يعكس الخمول أو الملل في الأوضاع الساكنة التي لا تثير الاهتمام كالجلسات المطولة أو المحاضرات المملة. الدراسات تشير إلى أن التثاؤب هو رد فعل لا إرادي يكون الدماغ هو المسؤول عنه، قد يكون طبيعيا وقد يكون ناجما عن مشكلة صحية. كما ثبت أن الجنين يتثاءب بدءا من الأسبوع الـ15 من الحمل.
ويخضع التثاؤب لسيطرة حزمة من النواقل العصبية التي تنطلق من منطقة ما تحت المهاد في الدماغ، ويكون التحكم فيه على عدة مستويات في المخ بدءا من قشرة المخ حتى عنق المخ، وهو عملية معقدة تشاركه فيها الأعصاب الجمجمية والعصب الحجابي والأعصاب التي تحرك عضلات التنفس وعدد كبير من النواقل العصبية مثل الدوبامين والسيروتونين وغيرها كثير. ومن المعلوم أن التثاؤب سمة مشتركة بين الإنسان وبعض أنواع الحيوانات.
وتشير الأبحاث العلمية أيضا إلى أن التثاؤب معد، لكن ليس بالمعنى الطبي المعروف وإنما هو تقليد تلقائي لتثاؤب شخص آخر، ويعزى ذلك إلى منطقة الدماغ المسؤولة عن الوظيفة الحركية ويحدث ذلك عند الأشخاص الذين تكون مهارات التواصل لديهم طبيعية، إذ لا يظهر سلوك التثاؤب المعدي عند المصابين بالتوحد أو الفصام. وقد اتضح أن الميل للتثاؤب يرتبط بمستويات نشاط الدماغ في القشرة الحركية للشخص، فكلما زاد النشاط في المنطقة زاد ميل الشخص إلى التثاؤب.
التثاؤب لا يعد مشكلة صحية إذا ما كان في حدوده الطبيعية، لكن إذا تكرر أكثر من مرة في الدقيقة واستمر طويلا فحينها لا بد من استشارة طبية، إذ قد يشير مثل هذا الأمر إلى بعض العوارض الصحية كأورام المخ أو اضطرابات النوم أو عدم قدرة الجسم على التحكم في درجة حرارته أو غير ذلك.