الفحم في جنوب إفريقيا
في ظل الهجمة على الوقود التقليدي أصبح الفحم يعد خط الدفاع الأول عن النفط في السياسات البيئية - لذلك سبق أن كتبت عمودا عن الفحم في أستراليا، واليوم عن جنوب إفريقيا - ثالث أكبر اقتصاد في إفريقيا وأكثرها تطورا وإحدى دول مجموعة العشرين. وتعتمد أكثر من أستراليا على الفحم لتوليد الكهرباء، حيث يشكل الفحم 65 في المائة من مصادر الطاقة الأساسية، ثم النفط 18 في المائة، و"المتجددة" 11 في المائة، والغاز الطبيعي 3 في المائة، وأخيرا "الذرية" 2 في المائة.
وعلى الرغم من المناخ المؤاتي للطاقة المتجددة، خاصة الرياح وأيضا الطاقة الشمسية، إلا أن جنوب إفريقيا ما زالت تعاني انقطاع الكهرباء في كل المدن أحيانا لساعات. الأسباب تعود إلى احتكار ونقص الاستثمارات في قطاع الكهرباء من قبل "إسكوم" - التي تمد 95 في المائة من الكهرباء. كذلك هناك تحديات في نقل الكهرباء من مصادر الطاقة إلى محطات التوليد والتنسيق الفني للطاقة المتجددة. تصدير الفحم حقق نحو خمسة مليارات دولار في 2021.
تقدم جنوب إفريقيا مثالا آخر على تناقضات التحول في الطاقة، فشركات إنتاج الفحم تحقق أرباحا طيبة بسبب تنامي الطلب، كثونقيلا وإكسارو وسيريتي، لكن جميعها تتحدث عن الطاقة المتجددة بلغة مختلفة، خاصة في ظل استغلال كثير من الشركات العالمية الفجوات وعدم الدقة فيما يسمى جماعيا متطلبات ESG.
خيار أكبر شركة "ثونقيلا" واضح "سعر السهم تضاعف ست مرات في مدى عام" في استمرار إنتاج الفحم، بينما "إكسارو" قلصت خطتها من استهداف 3 GW إلى 1.6 من الطاقة المتجددة في 2030، فيما استحوذت "سيريتي" حديثا على شركة متخصصة في الرياح. كذلك تردد الشركات سقف 2050 كهدف لإنهاء إنتاج الفحم. استفادة البلد من تغير أسعار الطاقة لم تكتمل لأسباب أغلبها سياسية إدارية، إذ إنها غنية بالموارد، استفادت من توقف أوروبا من استيراد الفحم الروسي وارتفاع أسعاره ثلاثة أضعاف في آخر عامين، لكنها مستوردة للنفط والغاز، ما جعلها في مركز مختلف عن أغلب دول مجموعه العشرين.
رغم الموارد الطبيعية والزراعية والطقس المعتدل إلا أن جنوب إفريقيا تواجه تحديات اقتصادية أغلبها بسبب السياسة على خلفية سياسة الفصل العنصري التي استمرت قرونا حتى 1994، لذلك لم تواكب التنمية البشرية تحديات التنمية الاقتصادية. من هذه التحديات هجرة العقول ورؤوس الأموال وأيضا تحديات الطاقة ممثلة في نقص الكهرباء التي بدأت تعوق النمو الاقتصادي، خاصة في ظل الفقر واستمرار سوء توزيع الدخل وضعف الإنتاجية.
طبقا لتقديرات صندوق النقد الدولي، النمو الاقتصادي عند 2 في المائة لهذا العام. المقارنة الموضوعية ربما مع تركيا، وإلى حد أقل مع الأرجنتين بين دول مجموعه العشرين، حيث لم يعان الراند كما عانت الليرة التركية أو البيسو في الأرجنتين، نظرا إلى سياسة عامة أكثر تماسكا، فمثلا عمد البنك المركزي الأسبوع الماضي، إلى رفع الفائدة ما أسهم في تماسك الراند، بينما خفض البنك المركزي التركي نسبة الفائدة ما سبب ضغطا على الليرة.
نظرا إلى انقطاع الكهرباء والنقص تتجه الحكومة نحو تحرير سوق الكهرباء، خاصة التوليد. التخصيص يستغل الميزة النسبية في إنتاج الفحم. إجمالا سيبقى الفحم لاعبا أساسا في اقتصاد جنوب إفريقيا لعقود بسبب تحديات التحول في الطاقة وظروف البلاد الاقتصادية، الاستهلاك الرئيس منها استمرار الاعتماد على الفحم لتوليد جزء مؤثر من الكهرباء لعقود، إذ حتى أستراليا الأعلى كفاءة اقتصادية ستستمر لأعوام. حققت شركات الفحم أرباحا قد تمكنها من الاستثمار في القطاع مع استثمار بعضها في الطاقة البديلة، لكن كما يذكرنا المختصون دائما، بأن التحول في الطاقة يأخذ عقودا طويلة في الأغلب تصل إلى منتصف القرن الحالي وربما أبعد.