نمو الاقتصاد العالمي يتباطأ بضبابية أكثر «2 من 3»

في ظل سيناريو بديل معقول تتحقق فيه بعض المخاطر، بما في ذلك توقف تدفقات الغاز الروسية بالكامل إلى أوروبا، سيرتفع التضخم إلى مستويات أعلى، ويزداد تراجع النمو العالمي ليصل إلى نحو 2.6 في المائة هذا العام و2 في المائة في العام المقبل، وهي وتيرة لم ينخفض عنها النمو إلا خمس مرات منذ عام 1970. وطبقا لهذا السيناريو، يقترب النمو في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو من مستوى الصفر في العام المقبل، مع إحداث تداعيات على بقية بلدان العالم.
ومن أولويات السياسات، فإن مستويات التضخم الحالية تمثل مخاطرة واضحة على الاستقرار الاقتصادي الكلي حاليا وفي المستقبل، وينبغي أن تكون إعادته إلى مستهدفات البنوك المركزية على رأس أولويات صناع السياسات.
واستجابة للبيانات الواردة، بدأت البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة الرئيسة إلغاء الدعم النقدي بوتيرة أسرع مما توقعنا في نيسان (أبريل)، بينما كانت اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية قد بدأت بالفعل رفع أسعار فائدتها في العام الماضي.
ونتج عن ذلك تشديد السياسة النقدية عبر الدول بصورة متزامنة غير مسبوقة تاريخيا، ومن المتوقع أن يكون تأثير هذا التشديد قاسيا، حيث تتراجع معدلات النمو العالمي في العام المقبل، وتتباطأ معدلات التضخم. وستكون لتشديد السياسة النقدية تكاليف اقتصادية حقيقية لا مفر منها، لكن التأخر في هذا الإجراء لن يؤدي إلا إلى تفاقم المصاعب. وينبغي للبنوك المركزية التي بدأت تشديد سياستها النقدية أن تستمر على هذا المسار إلى أن يتم ترويض التضخم.
ويمكن أن يساعد تقديم الدعم الموجه من المالية العامة على تخفيف الأثر الواقع على أشد الفئات ضعفا. غير أنه في ظل استنزاف الميزانيات الحكومية بسبب الجائحة والحاجة إلى موقف عام مضاد للتضخم على صعيد السياسات الاقتصادية الكلية، فسيكون تعويض الدعم الموجه من المالية العامة بإجراء زيادة ضريبية أو خفض الإنفاق الحكومي حائلا دون أن تتسبب سياسة المالية العامة في جعل مهمة السياسة النقدية أكثر صعوبة.
وفي ظل قيام البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة برفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم، سيتواصل تشديد الأوضاع المالية، خاصة بالنسبة لنظرائها من الأسواق الصاعدة. ويتعين على الدول أن تستخدم أدوات السلامة الاحترازية الكلية على النحو الملائم لحماية الاستقرار المالي. وحيثما يتعذر استيعاب الصدمات الخارجية من خلال أسعار الصرف المرنة وحدها، ينبغي أن يكون صناع السياسات متأهبين للقيام بتدخلات في سوق الصرف الأجنبي أو تطبيق تدابير لإدارة تدفقات رأس المال في سيناريو الأزمة.
وتأتي مثل هذه التحديات في وقت يفتقر فيه كثير من الدول إلى الحيز المالي الكافي، حيث أصبح 60 في المائة من الدول منخفضة الدخل في حالة مديونية حرجة بالفعل أو معرضة لمخاطر كبيرة تهدد ببلوغها، مقابل نحو 20 في المائة من هذه الدول في الماضي. وسيدفع مزيدا من الدول إلى المستوى الحرج، بسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض، وتقلص تدفقات الائتمان، وارتفاع سعر الدولار، وتراجع النمو.
ولا تزال آليات تسوية المديونيات الحرجة بطيئة ولا يمكن التنبؤ بها، حيث تعوقها مصاعب الحصول على اتفاقات منسقة من مختلف الدائنين بشأن مطالباتهم المتنافسة. ومن المشجع أن تقدما قد تحقق أخيرا في تنفيذ "الإطار المشترك" الذي وضعته مجموعة العشرين، لكن لا تزال هناك حاجة عاجلة إلى مزيد من التحسينات.
وعلى مستوى السياسات المحلية الرامية إلى معالجة آثار ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، ينبغي التركيز على الفئات الأشد تأثرا دون تشويه الأسعار. وينبغي أن تتجنب الحكومات اكتناز الغذاء والطاقة، بل إن عليها العمل على إزالة الحواجز أمام حركة التجارة من قبيل إجراءات حظر تصدير المواد الغذائية التي تدفع الأسعار العالمية إلى الارتفاع. وفي ظل استمرار الجائحة، يجب تكثيف حملات التطعيم، وحل مشكلة الاختناقات في عملية توزيع اللقاحات، وضمان المساواة في الحصول على العلاج... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي