الاقتصاد الوقفي

الوقف لغة الحبس، يقال أوقف الشيء بمعنى حبسه وجمعه أوقاف. واصطلاحا هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة. ومن النصوص الشرعية الدالة على مشروعيته قول الرسول صلى الله عليه وسلم، "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له". التاريخ الإسلامي مليء بالشواهد على ما تم إيقافه في بناء المساجد والمدارس والمستشفيات ورعاية الأيتام وحفر الآبار وإنشاء المصانع وغير ذلك.
أهداف الوقف لا تقف عند حد ويأتي في مقدمتها ما يترتب عليه من الأجر والثواب الذي لا ينقطع بعد الموت، كما أنه يحقق مبدأ التآخي والمودة بين أفراد المجتمع ويدعم الرخاء الاقتصادي في مجالات عدة، حيث يعود بالنفع على الجهات التي يوقف من أجلها كالجامعات، والمعاهد ودور التحفيظ وغيرها. يمتاز باستمراريته إلى ما شاء الله وذلك لبقاء الأصول والانتفاع بمردودها المادي، كما أنه يطور وينفق عليه من إيراداته محققا نموا اقتصاديا ملموسا. والوقف لا يقتصر على مجال دون آخر وأفضله ما كانت منفعته للعموم أعظم.
والمتتبع لتاريخ الحضارة الإسلامية يتضح له أن الوقف كان أحد الأسس المهمة للنهضة الشاملة بأبعادها المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية، وأنه كان له دور بارز في تطور العلوم بأنواعها المختلفة في المجتمعات الإسلامية.
ويرى المؤرخون أن الوقف كان بؤرة النهضة العلمية والفكرية التي سادت العالم الإسلامي على مدى قرون طويلة حين كان بقية العالم يعيش في العصور المظلمة. في المملكة ولله الحمد، بدأ الوقف يأخذ دورا مهما في دعم بعض القطاعات كالجامعات مثلا، إلا أننا ما زلنا في حاجة ماسة إلى تنشيط دوره الفاعل في كثير من جوانب التنمية الشاملة، فهو رافد مهم من روافد التنمية الاقتصادية. يقول معروف الرصافي:
للمسلمين على نزورة وفرهم
كنز يفيض غنى من الأوقاف
كنز لو استشفوا به من دائهم
لتوجروا منه الدواء الشافي
ولو ابتغوا للنشء فيه ثقافة
لتثقفوا منه بغير ثقاف
من المؤمل أن يتم النظر في إمكانية تجاوز المبادرات الفردية في الوقف إلى أن يكون عملا مؤسساتيا منظما ويمكن أن يتم ذلك من خلال إنشاء صناديق وقفية متخصصة، ويكون لكل صندوق مجلس إدارة يتولى متابعته وتنظيم شؤونه. الوقف كان وما زال وسيظل من أجمل صور التكافل في المجتمعات الإسلامية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي