قصة ضبط الأسعار
الأسعار ليست مجرد جرد رقمي للبضائع، فالخدمات ترتفع وتنخفض مع قيمة النقود "التضخم"، لكنها أيضا تخفي حقائق وتحولات اجتماعية اقتصادية في مراحل مختلفة. تحولات أغلبها تمر بهدوء في الأوقات العادية، وأحيانا تصبح مهمة، لأن التغير في الأسعار مؤثر مثلما حدث بعد حقبة كورونا. حين تشكل حصة الغذاء والوقود أقل من 15 في المائة من دخل الأسرة، كما في أغلب الدول الغنية لا يكون التضخم عاملا مقلقا، لكن حين يصل إلى أكثر من 40 في المائة، كما في دول نامية كثيرة يصبح مشكلة، كما حدث في سريلانكا ودول كثيرة.
التضخم يضرب قطاع النقل أيضا، ولذلك يجعل التنقل والغذاء مكلفا، وتقترب الفجوة بين الدخل والمصروفات قربا حد الإزعاج. لذلك أرقام التضخم لا تخبرنا عن الأسعار فقط، بل عن التحولات في الإنتاج ونقل البضائع والخدمات، كما يذكرنا المؤرخ الأمريكي ديفيد هكت فشر، في كتابه The Great wave: Price revloutions and the Rhythm of History. يقسم الثورات في الأسعار منذ القرن الـ 13 الميلادي إلى أربع موجات طويلة بينها فترات توازن نسبي.
يوثق أن إحدى هذه الموجات قادها الغذاء والوقود، كما يحدث الآن، يربط بين التغير في الأسعار والتغيرات الاجتماعية السياسية التي حدثت في أمريكا في القرن الـ19، خاصة سياسات الرئيس الأمريكي جاكسون، في تقدم الحقوق والتوسع غربا "طبعا على حساب السكان الأصليين" ساعد على ذلك توافر الوقود في النصف الأخير من القرن إثر اكتشاف النفط، ومزيد من الأراضي الزراعية في التوسع غربا. السبب أن إدارة جاكسون استغلت فترة التضخم لإجراء سياسات جديدة.
يذكر أيضا أن الأسعار تتضمن معلومات عن الحالة والأولويات المجتمعية في كل حقبة. فمثلا، ذكر حاكم البنك المركزي الإنجليزي أربعة عوامل للتضخم في بلاده، هي: كوفيد، التعافي منه، الغزو الروسي لأوكرانيا، والتناقص في الأيدي العاملة. يذكر هكت فشر، عن المرحلة أن علاقة كانت بين أسعار العاملة في الجنوب، وأسعار سندات الحكومة في الشمال أثناء الحرب الأهلية. كذلك من تبعات التغير أن العلاقة بين البضائع والخدمات تغيرت من ناحية، وتغيرت أنماط الخدمات من ناحية أخرى، فضلا عن التغير الطبقي أو حتى العائلي. حين يستمر التضخم وتصبح تكلفة المعيشة عالية تظهر الفجوات وتصبح أوسع والمعلومات أقل، ولذلك تجد أن بعض ما يذكره بعض المسؤولين في بعض الدول إما غير واقعي، وأحيانا يجد طريقه ليصبح مساحة للتندر.
طبقا لفشر، أحيانا هناك تغيرات ثقافية حين تكون التغيرات طويلة وحادة، فتظهر نزعات وتجمعات روحانية وخرافات بعضها تعبير عن الغضب واللاعقلانية. إذ لا يمكن الاستهانة بما يحدث في مجتمعات كثيرة في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية حتى في بعض الدول الغنية، كما ذكر الرئيس الفرنسي ماكرون، في تعبيره القوي عن "نهاية زمن الرفاه وراحة البال"، و"أن عصر الرفاهية انتهى، وسنواجه شتاء صعبا وعهدا جديدا من عدم الاستقرار". التحدي الجديد، أن كثيرا من دول العالم يعاني ديونا مؤثرة ورفع الفائدة، والحاجة إلى الاستثمارات مؤثرة في وقت التضخم. لذلك لن تكون حقبة سهلة على الجميع بدرجات مختلفة حسب الحالة السائدة قبل موجة التضخم الحالية والمساحة المالية والمرونة الاقتصادية في الدول.