"الميانة الزائدة"
الحدود التي نضعها في حياتنا الخاصة يجب أن نحافظ عليها وندرجها تحت مسمى قوانين بحيث نحاسب أنفسنا كثيرا إن سمحنا للآخرين بتجاوزها، سواء برضانا أو رغما عنا. علاقات القرابة والصداقة والمعرفة ليست مبررا "للميانة الزائدة" التي قد يجعلها البعض معبرا ينفذون منه إلى خصوصياتنا وأشيائنا السرية وما لا نريد أن يطلعون عليه. بعض العلاقات التي نقوم بالتعديل عليها ومنح أصحابها صلاحيات "الميانة" في حياتنا، ربما لن نستطيع ترميمها حين نكتشف أنهم لم يكونوا على قدر الثقة التي منحت لهم. كانت هذه الأفكار تدور في رأسي وأنا أستمع عبر الهاتف لحكاية شاب ممزوجة بقدر لا يستهان به من القهر والندم وهو يقول، "قبل عام توظفت في المكان الذي كنت أحلم فيه واجتهدت في عملي كثيرا وخلال ستة أشهر فقط من تعييني استطعت أن أثير إعجاب مديري فمنحني زيادة في مرتبي، وصار يعتمد علي في أمور العمل ووعدني بمنصب متميز. كنت في قمة سعادتي وأنا أرى إنجازاتي العملية تحقق الرضا والإعجاب في وقت قصير. بعدها بدأت علاقتي بأحد زملائي في العمل تتوطد بشكل كبير فأصبح ملازما لي في حياتي الخاصة نذهب ونجيء معا ونتناول الطعام والقهوة معا، تعودت عليه ووثقت فيه، فمنحته من صلاحيات الصداقة ما لم أمنحها لأي أحد من الآخرين رغم ملاحظتي فضوله وتدخله في خصوصياتي، وفي يوم من الأيام كنت ذاهبا معه لتسلم شحنة لي من شركة توصيل، نزلت من السيارة وتركتها على وضع التشغيل من أجل المكيف وتأخرت نصف ساعة، وحين عدت فوجئت بأن صديقي فتح درج السيارة بالمفاتيح وأخرج هاتفي السري الذي أخفيه عن الجميع وقام بتصفحه بكل حرية، حين عاتبته قال، "سرك في بئر لا تخاف"، لم تكن تلك الأسرار التي في هاتفي من الأمور التي أود أن يطلع عليها الآخرون سواء الصور أو المحادثات، لأنها كانت ستتسبب لي بالحرج الشديد والنقد اللاذع، وبعد أن أخذت منه مواثيق وعهودا أن يبقى ذلك بيننا، فوجئت بعد أيام بهمز ولمز ونظرات ماكرة من زملاء العمل وتعليقات تتجاوز حدود الأدب، ولم يطل الأمر كثيرا حتى استدعاني مديري ليعطيني درسا كاملا في الأخلاق والسمعة الحسنة، وأنني إن كنت قد فرطت في المحافظة على خصوصيتي وسمحت للآخرين باقتحامها، فإنني لست مؤتمنا على أسرار الشركة في ظل التنافس الشرس في السوق، وحفاظا على ما تبقى من كرامتي قدمت استقالتي".
وخزة:
"الميانة الزائدة" لا تمنحها إلا في حدود ضيقة جدا وإن استطعت ألا تمنحها لأي أحد فذلك.. أفضل!