«الواثق بالودود .. عبدالعزيز آل سعود»

«الواثق بالودود .. عبدالعزيز آل سعود»

يذكر الأديب عبدالله بن خميس في مخطوطه "لو بحثنا في تاريخ ملوك القرن الـ20، لن نجد ملكا واحدا قدم لبلاده وللتاريخ مثلما قدم عبدالعزيز، ولا يكاد مهتم بالسياسة والتاريخ في العالم لا يعرف أنه كان في هذه الجزيرة ذات يوم رجل أسطوري يدعى عبدالعزيز، رجل لم يكن فقط محل اهتمام رجال السياسة والقلم، لكنه كان أيضا مصدر إلهام عديد من الأدباء والشعراء والرواة الذين يكتبون بمختلف اللغات الحية، الذين وجدوا في سيرته معينا لا ينضب لقصص البطولة والفروسية التي افتقدها العالم منذ زمن طويل".
كان أحب الكنى للملك أن يقال له "أبو تركي"، ابنه البكر، أما لقبه الأشهر الذي عرف به في بلاد الغرب على خصوصا فهو "ابن سعود"، وكان حريصا على أن يكتب معظم رسائله بخط يده، وكان يبدأها دوما باسم الله، وكان لفظ "ما يخالف" يعني الموافقة، كما كان يوقع خطاباته بـ"الواثق بالودود .. عبدالعزيز آل سعود".
لم يغادر الجزيرة العربية إلا مرتين في حياته، الأولى للاجتماع بالرئيس الأمريكي روزفلت في يخت على شاطئ البحيرات المرة في قناة السويس في مصر، والثانية عندما زار مصر زيارة رسمية، وفي الجزيرة العربية زار الكويت بناء على دعوة من شيخها أحمد الجابر الصباح، وزار البحرين مرتين، وزار البصرة وقابل المندوب السامي البريطاني، واستعرض القوات العسكرية بها، وشاهد الطائرة والسيارة للمرة الأولى خلال هذه الزيارة.
يذكر مستشاره الشيخ يوسف ياسين أنه خاض أكثر من 100 معركة، وعند وفاته وجدوا على جسمه 43 ندبة وأثر جرح.

لماذا أحببت ابن سعود؟
في كتاب "لماذا أحببت ابن سعود" الصادر عن دارة الملك عبدالعزيز، لمؤلفه محمد أمين التميمي، الذي قضى خمسة أعوام في المملكة طالب علم وموظفا، مستعرضا النواحي الخلقية والسياسية، ويروي قصته وجوانب من حياة السعوديين في عهد الملك المؤسس، وذكر تفاصيل عن لقائه الملك آنذاك.
في كتابه الواقع في نحو 144 صفحة، يقول التميمي إنه قابل الملك عبدالعزيز في سبتمبر عام 1927، في القصر الملكي في مكة المكرمة، وحينما دخل على القاعة سلم عليه وقبل جبهته، وجلس على يمينه، وأخذ يلتفت إليه بين لحظة وأخرى سائلا عن الصحة والحال، كان رجلا طويل القامة، مليء الجسم، باسم الوجه ذا هيبة ووقار، لم يكن يختلف عمن حوله من الرجال في الزي إلا بغترته الحمراء وعقاله المقصب، أما العباءة والثوب فلم يكونا ممتازين عما يلبسه الرجل العادي، بل إن الرجل العادي ليلبس أحسن نوعا وأغلى ثمنا مما يلبسه هو، وأما الحذاء فما يلبس إلا نعلين نجديتين يحتذيهما أفقر الرجال.
ويضيف متفاجئا "كان هذا المتواضع في سجيته عبدالعزيز بن سعود، سيد الجزيرة العربية الذي عشقته أذني قبل عيني، وحببته لي أعماله قبل أعماله، وكان سببا في تغيير مجرى حياتي، وها أنا ذا بين يديه أرى شخصه وأسمع كلامه لأول مرة".
وعن بيانه وإفصاحه، فيتحدث المؤلف عن تعليقه الجميل على ما يقرأه مقرئه من تفسير القرآن الكريم والأحاديث النبوية، وتلك الدرر الغوالي من النصائح التي ينثرها على الحاضرين في ذلك المجلس الليلي العام، الذي يبدأ من بعد صلاة العشاء إلى الساعة الرابعة العربية، حيث ينصرف الجمع لا ليأوي هذا الرجل إلى فراشه، لكن ليجلس مجلسا آخر مع المختصين من رجاله ومستشاريه لبحث مهام الدولة، وقد يمتد هذا المجلس الخاص إلى منتصف الليل.

لا يترك شاردة ولا واردة
محمد أمين التميمي المسافر عبر فلسطين والأردن في ذلك الوقت إلى نجد، يقول عن مؤسس الدولة السعودية الثالثة إنه كان ينظر في الكبير والصغير من شؤون مملكته ورعيته، ويقرأ كل ما يرفع إليه من برقيات وكتب وتقارير، ولا يسمح لأحد من رجاله والمقربين إليه يفتح شيء منها، فلا يترك شاردة ولا واردة من أحوال بلاده ورعاياه إلا ويكون قد ألم بها ووقف على أسرارها، ويرد على كل ما يرسل إليه من كتب وبرقيات من مختلف الأنحاء والجهات، وقد فتح بابه لكل مظلوم، وأصغى لكل شاك مهضوم، حتى إن برقية يرسلها إليه أقل الناس شأنا في مملكته تكفي لإثارة اهتمامه، فيصدر أوامره البرقية للجهات المختصة بالتحقيق في الشكوى وإعادة الحق إلى نصابه.
ذكر الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- للتميمي أنه يعده ولدا من أولاده، وفي كتابه، الذي قدم له الملك سلمان بن عبدالعزيز، يتحدث المؤلف عن تفاصيل حياتية للملك عبدالعزيز، حيث يذكر التميمي أنه كان ذات مرة واقفا خلفه عقب صلاة المغرب في القصر الأخضر في جدة و"بقيت جالسا مكاني خلفه بينما انصرف جميع المصلين، فسمعه يردد دعاء اللهم أجرنا من النار، فأمنت على دعائه ورددت في نفسي: إي والله، أجارك الله من النار، وهو يعد العبادة بمنزلة فترات هدوء لاستجماع القوى ومحطات راحة لتجديد النشاط، كي يتمكن من استئناف حمل أعباء الملك الثقيلة ومسؤولياته العظيمة.

الأكثر قراءة