ظاهرة المن
كما أن هناك أفعالا حسنة يتميز بها بعض الناس فهناك أيضا أفعال سيئة توجد لدى البعض الآخر، ومن تلك الأفعال السيئة ما يعرف بالمن، وهي صفة توجد في بعض الرجال والنساء على حد سواء. يعرف المن بأنه ذكر الإحسان وتعداده والفخر به. ولا شك أنه من سفاسف الأخلاق التي نهى الشارع عنها. وقد أشار العلماء إلى أن المن نوعان، الأول من يمن بقلبه من غير أن يصرح بلسانه ومن دون أن يتكلم ولا يعمل بمقتضى ما أحس به في نفسه، فهذا وإن لم يبطل الصدقة إلا أنه يمنعه شهود منة الله عليه، فإن المنة لله أن رزقه المال فكيف يشهد قلبه منة لغير الله.
أما النوع الثاني فهو أن يمن على من أسدى إليه المال أو المعروف بلسانه ويشيع هذا بين الناس ممتنا لما فعل ولما قدم، فهذا كبيرة من كبائر الذنوب يذهب بثواب الخدمة ويمثل ضررا بالغا وألما للشخص المخدوم. يقول الحق سبحانه، "يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى.. الآية".. ويقول جل وعلا، "الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون". كما ورد في الحديث الصحيح أن المنان من الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. والمتأمل في حكمة تحريم المن يظهر له أن من أهم أسباب ذلك هو أن الله قد تولى ثواب المنفق وسيرد عليه أضعاف ما أنفق فأي حق بقي للمنفق لكي يمن على من أعطاهم. ثم إن في المن تعييرا وتكديرا لأن آخذ الصدقة مثلا هو أصلا منكسر القلب، فإذا أضاف المعطي أنه أظهر فضله عليه ازداد انكسارا وألما.
المن يقع في الأغلب من البخيل والمعجب فالبخيل تعظم في نفسه العطية وإن كانت حقيرة، والمعجب يحمله العجب على النظر إلى نفسه بعين العظمة وأنه منعم بماله على من أعطاه، وقد كان من المفترض أن يعلم أن المنة لله سبحانه الذي أنعم عليه أساسا.. ورحم الله الشافعي القائل:
لا تحملن من الأنام
عليك إحسانا ومنه
واختر لنفسك حظها
واصبر فإن الصبر جنه
منن الرجال على القلوب
أشد من وقع الأسنة