كمال النقص

السعي وراء الكمال جبلة بشرية، والتمام منزلة عالية وطلب يقصر دونه غير الجادين، والإتقان بغية الهواة، والتدقيق والتفتيش والتنقيب رياضة نفسية يمارسها البعض في عمله وحياته، ولا تثريب طالما لم تكن سببا في التعقيد والتبطيء، والويل حينما لا تجري الرياح كما يشتهي ويرتجي فيسقط من أول تجربة، وخشية خدش صورة الكمال التي رسمها عن نفسه يرمي الأسباب لأقرب مخرج، ويبدأ باختلاق الأعذار الوهمية. فلكل إخفاق عذر، ولكل مصيبة مشجب يعلق المرء عليه أسباب سقوطه، وهذه طبيعة بشرية فالنجاح مستطاب والفشل مستكره والنهوض بعد الفشل صعب لدى الفاشلين، الذين شربوا من خمر الكمال، وحالت طلاوة التمام أن يرى كل الحقيقة. في المقابل، فإن النهوض سهل لمن يرى الحياة تجارب يغترف منها المعرفة والخبرة والمهارة من أجل الاستعداد للعودة والتحدي.
تؤكد التجارب وكلام الحكماء أن الاستعداد للفشل أول خطوة للتخطيط الجيد، ومن المعلوم أن المدارس الإدارية الحديثة تضع خططا بديلة Plan-B للأعمال والطوارئ والأزمات، والتخطيط للفشل تخطيط للنجاح، لأن الأساس في أي عمل مستمر أن يتوقف، والمفاجأة حينما يكون التوقف مفاجئا.
إن المشكلة الكبرى التي تواجه كثيرين هي توظيف الأعذار على نحو مبالغ فيه بما لا يدع أي فرصة للنجاح، فهو مستعد بشكل كامل لوضع ألف عذر لكل مأزق وفشل وعجز يمر به، ولا يرى بأسا أن يلجأ إلى الأبراج والأنواء لبحث أسباب نضوب نجمه، وأفول ذكره، ويستعين بالعرافين والمنجمين وقارئي الفناجين، وإن لم يجد بدا، يدفعها نحو وجود مؤامرة تحاك ضده، لأن تفوق زميله بسبب أنه مدعوم، وحينما تنتهي سلسلة الأعذار الواقعية وتفرغ بئر التصريفات يلجأ إلى زوايا لا يمكن للبسطاء إلا تصديقها، فتراه يعلق مشكلاته بمس عين أو تلبس جان ففشل وكثر حساده، فأطلقوا سهام الحقد والغيرة فأصابت منه مقتلا، أو يفسر ما وقع عليه بأن حلما راوده ورؤية كانت في المنام فأهلكت الحرث والنسل.
حان وقت الانتباه من الغفلة والتوقف عن اختلاق مزيد من الأعذار، وبات الوقت متأخرا جدا للبحث عن أي طرف أو شخص أو سبب، ليكون هو سبب الفشل، إنما تجربة ويمكن فعل مزيد من التجارب، لأن الحياة تقوم على هذا المبدأ والفشل والنجاح نتيجة مراجعات تحتمل الصواب والخطأ، فالكمال ناقص مهما حاولنا إكماله والنقص كمال لكل عمل نود استمراره.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي