مفهوم الرشد
الرشد كلمة بسيطة، لكنها عظيمة في معناها. ورد ذكرها في القرآن الكريم 19 مرة، حيث جاءت بصيغة المضارع والمصدر والصفة. يعرف العلماء الرشد بأنه إصابة وجه الحقيقة وأنه هو السداد والسير في الاتجاه الصحيح وحسن التصرف في الأشياء. الجن حين سمعوا القرآن لأول مرة طلبوا الرشد، "إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به".
الرشد أمر يتمناه الجميع ويسعون إلى تحقيقه والوصول إليه، له جانب مرتبط بالأخذ بالأسباب وآخر مرتبط بتوفيق الله -سبحانه وتعالى. الفتية الذين فروا بدينهم إلى الكهف بعد أن أخذوا بالأسباب قالوا، "ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا". في السياق ذاته نجد أن موسى -عليه السلام- حين قابل الخضر قال له، "هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا"، فالرشد هنا هو الحكمة وبعد النظر في مآلات الأمور، فالناس بشر يسعون ويأخذون بالأسباب الظاهرة من وجهة نظرهم، لكن لا يعرفون أين يكمن الخير الحقيقي ولذا يلجأون لطلب الرشد من الله. "وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا"، فبالرشد تختصر المراحل ويختزل كثير من المعاناة وتعظم النتائج.. دريد بن الصمة الشاعر الجاهلي وهو يعاتب من لم يأخذ برأيه يقول:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى
فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
وما أنا إلا من غزية إن غوت
غويت وإن ترشد غزية أرشد
وضد الرشد يكون الغي.. الحق -سبحانه وتعالى- يقول، "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي". فالغي هو سوء المسلك بأن يسلك الإنسان ما لا خير فيه ولا فائدة ترتجى منه، بل هو الشقاء بعينه والضلال والانحراف. ويقول -سبحانه- في موضع آخر، "وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا". الرشد ورد في القرآن الكريم بعدة صيغ منها الرشد، رشدا، الرشاد، يرشدون، رشيد، مرشدا، الراشدون... فهو في اللغة أصل واحد يدل على استقامة الطريق وهو إصابة وجه الأمر أي الاهتداء إلى أصح الأمور دينية كانت أو دنيوية. فعلى الإنسان ألا يتكبر أو أن يغتر برأيه، بل عليه بعد بذل السبب أن يسأل الله طريق الرشد، فبدون أن يهيئ الله له سلوك هذا الطريق، فسيقوده رأيه إلى مهالك لم يحسب لها حسابا.