العمل 4 أيام واقتصاد الخدمات

من أهم مؤشرات النتائج عند الاقتصاديين، استقرار الأسعار والوصول إلى الحد الأعلى من التوظيف، لأنها تدل على أن السياسات الاقتصادية والمالية تعمل بشكل صحيح، لكن ماذا عن التغيرات التي تطرأ على سوق العمل مع الزمن، بمعنى آخر، شهد العالم تحولات هيكلية من عصر الزراعة إلى عصر الصناعة ثم عصر اقتصاد الخدمات، ومع كل تحول تتغير سمات أسواق العمل من حيث الأجور والوقت ونوع القوى البشرية التي تتطلبها السوق، وتبعا لذلك ما زلنا نلاحظ تغيرا زاحفا حتى في ساعات العمل عالميا.
عند النظر تاريخيا إلى العلاقة بين ساعات العمل ونوع النشاط الاقتصادي السائد، نجد أن ساعات العمل في أمريكا في فترة سيادة القطاع الصناعي ستة أيام، وفي 1926 تراجعت إلى خمسة أيام عمل ومع التقدم في اقتصاد الخدمات في الولايات المتحدة أو غيرها من الدول الناجحة في الخدمات، انتشرت تجربة العمل لأربعة أيام.
التفسير الاقتصادي لهذه التغيرات يرجع إلى زيادة الإنتاجية وسرعة اتخاذ القرار في الأعمال بسبب التقنية وتوافر البيانات حتى في القطاعات الصناعية.
استقرت حصة مشاركة اقتصاد الخدمات من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي العالمي عند 64.4 في المائة، واقتصاد الصناعة 27.5 في المائة، أما اقتصاد الزراعة 4.3 في المائة، لذا وجد الاقتصاديون أن الدول التي يتطور فيها قطاع الخدمات تزيد فيها جاذبية استثمارات الأجانب، لأن قطاع الخدمات يعطي عوائد أفضل وأسرع من الصناعة أو الزراعة من حيث الزمن وسرعة التخارج، وفي الوقت نفسه يعطي ميزة استراتيجية لهروب الأموال في الأزمات من بلد إلى آخر.
يعد ما سبق من الاستدلالات التي تفسر تغير نمط وطبيعة أسواق العمل من منظور اقتصادي، أما تفضيلات العاملين والشركات للأسبوع القصير، فقد يعزى إلى تحسين جودة الحياة والتوازن بين العمل والحياة كأسلوب عمل، ولا سيما أن تجربة العمل لأربعة أيام كشفت عن جوانب إيجابية دقيقة في قلة أخطاء الموظفين وزيادة الإنتاجية للعامل الواحد وتراجع ساعاتهم المفقودة، بسبب مرض الموظفين وغيابهم المتكرر، أما الحكومات فقد تفضل ذلك، أي العمل أربعة أيام، لزيادة إنفاق الأسرة كأسلوب تحفيزي غير مباشر للأنشطة الاقتصادية وتوليد النمو والوظائف معا، وقد تدخل فيها أبعاد أخرى مثل المحافظة على الصحة العامة للناس وتراجع تكاليف فاتورة الصحة وتخفيف الضغط على نظام التأمين الطبي.
أخيرا، لا أستبعد أن الأسبوع القصير سيعتمد كمؤشر للنضج الاقتصادي للدول ولجذب المواهب الأجنبية، ولا سيما أن تجارب الدول والشركات في العمل لأربعة أيام تشير إلى الإيجابية في معظم التقارير من حيث الآثار التي تم الإبلاغ عنها، لكن ما يهمني اقتصاديا استمرار ارتباط تطور اقتصاد الخدمات بتقلص ساعات العمل، وكيف أن ذلك قد يساعد الحكومات والاقتصاديين على اكتشاف فرص جديدة للنمو الاقتصادي الشامل مع تحسن عدد الوظائف وجودتها والأسعار، وزيادة أرباح الشركات وجذب مزيد من الأموال الأجنبية للاستثمار وتحسن صحة المجتمعات بدنيا ونفسيا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي