الحكومة الإلكترونية الذكية والمتكاملة

يطابق عنوان هذا المقال عنوان كتاب صدر حديثا، والغاية من ذلك هي توجه المقال نحو إلقاء الضوء على هذا الكتاب الذي أجده سبقا معرفيا بلغتنا العربية الجميلة، في موضوع علمي مهم، نعيش مع تطبيقاته العملية كل يوم، ويلقى تطورا مطردا، يقدم من خلاله فوائد عديدة ترتبط بالارتقاء بأداء الأعمال المختلفة على كل من مستوى الأفراد والمؤسسات والأوطان، فضلا أيضا عن تحسين رفاهية الحياة.

مؤلف الكتاب الدكتور فهد بن ناصر العبود، أستاذ نظم الحكومة الإلكترونية والمعلوماتية في قسم علم المعلومات، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة الملك سعود.
يقدم الكتاب مضامينه من خلال سبعة فصول.

وتشمل هذه الفصول: استعراض نشأة الحكومة الإلكترونية وتطورها، والارتقاء بخدماتها، وبيان الخدمات الإلكترونية، غير الحكومية الأخرى، في إطار مجتمع المعلومات، والتعريف بنماذج عالمية للحكومة الإلكترونية، وطرح مكونات بنية هذه الحكومة، وعرض التقييم العالمي للحكومة الإلكترونية ومستويات نضجها وتكاملها، وتقديم دليل عمل لمشاريع موارد الأعمال في الإدارات الحكومية، إضافة إلى استخلاص ملاحظات ختامية تستند إلى ما سبق.

ولا شك أن أي مقال يحتل مساحة محدودة، كهذا المقال، لن يستطيع تغطية مضامين الكتاب، لكنه يستطيع إلقاء الضوء على جوانب رئيسة منه، ليقدم من خلال ذلك بعض ملامح الكتاب التي يمكن أن تفيد القارئ الكريم، وربما تشجعه على البحث عن الكتاب، لقراءته بالكامل، وتحقيق استفادة شاملة من عطائه المعرفي.
لعلنا نبدأ أولا بإلقاء الضوء على توصيف عنوان الكتاب للحكومة الإلكترونية على أنها ذكية ومتكاملة. يرتبط هذا التوصيف بنشأة الحكومة الإلكترونية وتطورها من جهة، ويتعلق بآفاقها المستقبلية من جهة أخرى. فقد بدأ تقديم الخدمات الحكومية إلكترونيا، وهو ما يعرف بالحكومة الإلكترونية، قبل أكثر من ربع قرن.

وتمثلت البداية بتوفير المعلومات الحكومية على مواقع الإدارات الحكومية لمن يرغب في الاطلاع عليها، لكي يلتزم بها في تعاملاته معها، وسميت هذه الخدمات "بالخدمات المعلوماتية".

وتطورت هذه الخدمات لتمكن المتلقين من التواصل مع مواقع الخدمات الحكومية، وطلب معلومات محددة، والحصول على رد بشأنها، وعرفت هذه الخدمات الأكثر تطورا "بالخدمات التفاعلية". وزادت إمكانات الخدمات، بعد ما تقدم، لتبرز "الخدمات الإجرائية" التي لا تكتفي بالتفاعل في تقديم المعلومات، بل تعمل على تنفيذ إجراءات يحتاج إليها المتلقون، ويمكن أن توصف بالذكية، لأنها يمكن أن تنفذ أعمالا بذاتها، دون تدخل الإنسان، أو بتدخل محدود منه.
وتقدمت الخدمات، بعد ذلك، خطوة أخرى إلى الأمام لتظهر "الخدمات التكاملية" التي تستطيع تنفيذ إجراءات متعددة المراحل، ترتبط بأكثر من جهة، كما نجد حاليا، على سبيل المثال لا الحصر، في كثير من الإجراءات التي تقدمها خدمات "أبشر".

ففي مثل هذه الإجراءات خدمات للمتلقي من الجهة الحكومية ذات العلاقة، وكذلك من جهات داعمة أخرى لهذه الخدمات، وليست بالضرورة حكومية، بل ربما تكون من القطاع الخاص، كما هو الحال في دفع رسوم الإجراءات عبر البنوك، في إطار خدمات متكاملة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الخدمات المتكاملة تستطيع أن تأخذ دورا أكبر حينما يكون لكل فرد هوية إلكترونية واحدة، ويكون لجميع الخدمات موقع مشترك. وحينما يستطيع الفرد تلقي الخدمات عبر نهايات طرفية متعددة، من الثبات عبر حاسوب المكتب أو المنزل، ومن الحركة عبر الهاتف الجوال، حيث توضع جميع الخدمات الإلكترونية، الحكومية وغير الحكومية، لكل متلق، ضمن إطار متكامل موحد.
يطرح الكتاب، في إطار التكامل، خدمات إلكترونية غير حكومية، ترتبط بالخدمات الحكومية في بعض إجراءاتها، لتبني معا اقتصادا رقميا، في إطار مجتمع معلوماتي يتمتع بالفاعلية والكفاءة، إلى جانب الرشاقة في تلبية المتطلبات، والاستجابة للمتغيرات. وتشمل الخدمات غير الحكومية هذه: التجارة الإلكترونية، والتعليم الإلكتروني، والصحة الإلكترونية، وغير ذلك، فضلا أيضا عن خدمات العمل عن بعد في إطار الأعمال ذات الطبيعة المعلوماتية في شتى مجالات العمل الحكومي وغير الحكومي.

وتحتاج الاستفادة من هذه الخدمات، بالشكل المأمول، إلى متطلبات ثقافية وإدارية على مستوى الفرد والمؤسسات والمجتمع. وتمثل هذه المتطلبات عوامل تكامل أخرى ينبغي الاهتمام بها.
يناقش الكتاب عوامل عدة لنجاح الخدمات الحكومية الإلكترونية، والخدمات الإلكترونية الأخرى ذات العلاقة بها. وتشمل هذه العوامل "إتاحة" الخدمات للجميع، أو بالأحرى لمن يحتاجون إليها، وذلك بتكاليف معقولة. وتتضمن هذه العوامل أيضا "ثقة" المتلقين للخدمات بسلامة إجراءاتها، وكذلك بـ"السرية" التي تحمي خصوصيتهم.

ثم هناك "سلوك" المتلقين، وابتعادهم عن الخبث والنيات السيئة، في تعاملهم مع الخدمات. ويضاف إلى ما سبق "التشريعات الحكومية" الخاصة بالخدمات الإلكترونية، و"الشؤون التنظيمية" للمؤسسات ذات العلاقة. ويبرز "الأمن السيبراني" واضحا في إطار هذه العوامل، فدون هذا الأمن تفقد الخدمات الإلكترونية قيمتها المنشودة في تطوير أداء المجتمع، وتحسين رفاهيته. وكما يبين الكتاب عوامل النجاح التي يجب العمل على تنفيذها، يحذر أيضا من معوقات هذا النجاح التي يجب العمل على تجنبها.

وتشمل هذه المعوقات: عدم الانتشار الكافي للإنترنت في المناطق المختلفة التي تحتاج إلى الخدمات الإلكترونية الحكومية، ونقص وعي المستخدمين، وضعف مهارتهم في التعامل مع الخدمات، بما يحقق الفوائد المرجوة، والاعتماد على نظم إدارية قديمة لا تتوافق مع الخدمات الإلكترونية، ونقص تدريب المتخصصين، إضافة إلى ضعف ضوابط الأمن وتحقيق الخصوصية المطلوبة.
لا شك أن الحكومة الإلكترونية في طريقها إلى مزيد من ذكاء الإجراءات والخدمات وتكاملها، وإلى حماية أفضل وثقة أعلى بتنفيذها، وذلك مع التقدم المطرد الذي يشهده الذكاء الاصطناعي. ويؤمل أن يكون ما سبق قد أعطى بعضا من ملامح الكتاب المتميز المطروح. وبالطبع تبقى الفائدة المعرفية الشاملة من الكتاب مرهونة بالعودة إليه، والنظر في التفاصيل التي يطرحها.
تجدر الإشارة أخيرا إلى أن المملكة كانت من الدول الرائدة في بناء الخدمات الإلكترونية الحكومية عبر برنامج "يسر"، الذي بدأ 2005، وتحول في 2021 إلى هيئة الحكومة الرقمية، وعبر عديد من الخدمات الإلكترونية التي تقدمها الجهات المختلفة، مثل خدمات "أبشر" العديدة والمتميزة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي