الطريق إلى النمو .. 3 أولويات واجبة «2 من 3»

اليوم أصبحت البنوك أكثر قوة وصلابة عموما، كما أثبت صناع السياسات في الأسابيع الأخيرة قدرة ملحوظة على اتخاذ إجراءات سريعة وشاملة. ورغم ذلك، لا تزال هناك مخاوف بشأن مواطن الضعف التي ربما تكون مستترة داخل البنوك والمؤسسات غير المصرفية على حد سواء ـ ولا مجال للتراخي في الوقت الحالي.
ما الانعكاسات على السياسة النقدية إذن؟ ما دامت الضغوط المالية محدودة، نتوقع أن تواصل البنوك المركزية حربها على التضخم ـ مع استمرارها في تشديد السياسات لمنع انفلات ركيزة التوقعات التضخمية.
وفي الوقت نفسه، على البنوك المركزية التصدي للمخاطر المهددة للاستقرار المالي ـ حال ظهورها ـ من خلال توفير أدوات السيولة الملائمة. والعامل الأساس هنا هو مراقبة المخاطر من كثب في البنوك والمؤسسات المالية غير المصرفية، ومواطن الضعف في قطاعات مثل العقارات التجارية.
وأعني بذلك أن البنوك المركزية عليها أن تواصل استخدام أسعار الفائدة في مكافحة التضخم، مع الاستعانة بالسياسات المالية في ضمان الاستقرار المالي. فهذا هو المسار الصحيح ما دامت الضغوط المالية محدودة. وإذا ما تغيرت الأوضاع، ستصبح مهمة صناع السياسات أكثر تعقيدا، إذ سيواجهون صعوبة في المفاضلة بين أهداف التضخم والاستقرار المالي والأدوات المستخدمة في تحقيق تلك الأهداف. لذلك علينا أن نكون أكثر يقظة ومرونة من أي وقت آخر.
وعلى جانب المالية العامة، لا بد من بذل مزيد من الجهود للحد من عجز الميزانية لدعم الحرب ضد التضخم وإتاحة الحيز المالي اللازم للتعامل مع الأزمات مستقبلا. لكن هذه الجهود يجب أن تقترن بدعم الفئات الأكثر ضعفا، ولا سيما التي لا تزال تعاني مغبة أزمة تكلفة المعيشة.
وهكذا ستكون تجربة الصعود أكثر مشقة هذه المرة، فعلينا مكافحة التضخم، وحماية الاستقرار المالي، وحفظ التماسك الاجتماعي. والنجاح في هذه المهمة يعني أن الاقتصادات المتقدمة الكبرى سيتسنى لها أن تخطو بأقدام ثابتة على ذلك الطريق الضيق نحو تحقيق الهبوط الهادئ المرجو وحماية الاقتصادات الصاعدة والنامية الأكثر ضعفا من التداعيات الضارة.
وأنتقل إلى التل الثاني، تحسين آفاق النمو على المدى المتوسط.
نتوقع أن يظل النمو العالمي في حدود 3 في المائة على مدار الأعوام الخمسة المقبلة ـ وهو أدنى تنبؤاتنا للنمو على المدى المتوسط منذ 1990، وأقل بكثير من المتوسط الذي بلغ 3,8 في المائة في العقدين الماضيين. ويزيد ذلك من صعوبة الحد من الفقر، وإبراء الندوب الاقتصادية التي خلفتها أزمة كوفيد، وتوفير فرص جديدة وأفضل للجميع. صعود هذا التل يقتضي حدوث تغيرات جوهرية.
أحدها دفع الإنتاجية والنمو الممكن من خلال الإصلاحات الهيكلية بتعجيل وتيرة الثورة الرقمية، وتحسين بيئة الأعمال وتعزيز رأس المال البشري والاحتواء. وبمجرد سد فجوة مشاركة المرأة في سوق العمل، يمكن زيادة الناتج الاقتصادي بمتوسط يبلغ 35 في المائة في الدول التي لديها مستويات أعلى من عدم المساواة بين الجنسين.
ونحتاج كذلك إلى "تغير جوهري أخضر" لكي نحمي كوكبنا ونوجد فرصا اقتصادية جديدة. فهدفنا الجماعي بتحقيق النتائج المتوخاة في اتفاقية باريس ودعم الصلابة سيقتضي إعادة توجيه تريليونات الدولارات نحو المشاريع الخضراء. وتشير التقديرات إلى أن مصادر الطاقة المتجددة وحدها ستحتاج إلى تريليون دولار سنويا. وسينعكس ذلك إيجابيا على النمو والوظائف.
وبطبيعة الحال، نحن أيضا في حاجة إلى تغير جوهري في النمو والوظائف للحد من تأثير التشتت الاقتصادي والتوترات الجغرافية السياسية- ولا سيما بشأن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. فهذه الكارثة لا تقتل الأبرياء فحسب، وإنما هي تفضي كذلك إلى تفاقم أزمة تكلفة المعيشة وتتسبب في مزيد من الجوع في أنحاء العالم. فتفرض مخاطر بمحو مكتسبات السلام التي استمتعنا بها على مدار الثلاثة عقود الماضية وتضيف كذلك مزيدا إلى الاحتكاكات القائمة في مجالي التجارة والتمويل.
ويتبين من بحوثنا أن التكلفة طويلة المدى التي تنجم عن تشتت التجارة يمكن أن ترتفع وتبلغ 7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي أي ما يعادل نحو الناتج السنوي لكل من ألمانيا واليابان معا. وإذا أضفنا الانفصال التكنولوجي، ربما وصلت خسائر بعض الدول إلى 12 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. وتشتت التدفقات الرأسمالية، بما فيها الاستثمار الأجنبي المباشر، سيسدد ضربة أخرى صوب آفاق النمو العالمي. وقد يصعب قياس هذه الخسائر المجمعة المتأتية من كل القنوات، لكن من الواضح أن جميعها تسير في الاتجاه المعاكس... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي