الطريق إلى النمو .. 3 أولويات واجبة «3 من 3»
لا يجب بالضرورة أن يسير الأمر على هذا النحو. ففي استطاعة الدول أن تحمي أمنها الاقتصادي والوطني من خلال الاستمرار في التجارة وأن تكون عملية فيما يتعلق بتقوية سلاسل العرض. وتوضح بحوث الصندوق أن تنويع سلاسل الإمداد يمكن أن يقلل الخسائر الاقتصادية المحتملة الناجمة عن اضطرابات العرض إلى النصف.
وهذه التغيرات الجوهرية تكتسب أهمية بالغة في زيادة تنشيط الاقتصاد العالمي، لتوفير فرص أفضل للجميع. لكن بالنسبة إلى كثير من الدول المعرضة للمخاطر، قد يتعذر تحقيقها دون حصوله على مزيد من المساعدة. وهذا ما يأخذني إلى "التل" الكبير الثالث الذي علينا صعوده ـ تعزيز التضامن للحد من التفاوتات العالمية.
اعتمادا على قوة عملنا الجماعي، قدم الصندوق تمويلا جديدا بلغ نحو 300 مليار دولار إلى 96 بلدا منذ أن بدأت جائحة كوفيد. وقد ساعد التخصيص التاريخي لحقوق السحب الخاصة بقيمة 650 مليار دولار على زيادة احتياطيات دولنا الأعضاء. والتسهيلات الوقائية لدينا توفر هامشا وقائيا إضافيا إلى الدول ذات الأساسيات الاقتصادية القوية ـ قدمنا أحدها إلى المغرب أخيرا.
ومن خلال الابتكارات في مجموعة أدواتنا ـ بما فيها نافذة مواجهة أزمة الغذاء، والصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة ـ نساعد دولنا الأعضاء على التصدي للتحديات الجديدة.
وكثفنا كذلك دعمنا للدول متوسطة الدخل المعرضة للمخاطر ـ بوسائل منها زيادة مؤقتة في مقدار المبلغ الذي يمكن للبلد العضو اقتراضه من الصندوق. وقدمنا تمويلا جديدا لدول مثل سريلانكا وأوكرانيا. وهذا تحديدا هو دور الصندوق، أن يكون مصدرا للاستقرار في أوقات الاضطراب. ومع هذا، فمن الضروري أن نوفر لأضعف أعضاء أسرتنا العالمية مزيدا من الدعم من الدول الأغنى.
وأود أن أطلق مناشدة مزدوجة نيابة عنها، لمساعدتها على التعامل مع أعباء الديون التي أصبحت أصعب كثيرا بفعل ما أصابها من صدمات خلال الأعوام الماضية، وثانيا، للمساعدة على ضمان أن يظل الصندوق قادرا على دعمها في الأعوام المقبلة.
ونبدأ بالديون. هناك نحو 15 في المائة من الدول منخفضة الدخل تعاني بالفعل حالة المديونية الحرجة، وتتعرض 45 في المائة أخرى إلى ارتفاع مواطن الضعف المتعلقة بالديون. ويواجه نحو ربع الاقتصادات الصاعدة مخاطر عالية كما يواجه فروقا في أسعار الفائدة على الاقتراض "مماثلة للتعثر في السداد". وأثار هذا الأمر المخاوف من احتمال ظهور موجة من طلبات إعادة هيكلة الديون ـ وكيفية التعامل معها في وقت تواجه فيه حالات إعادة هيكلة الديون الحالية فترات تأخير مكلفة، وزامبيا أحد الأمثلة في الآونة الأخيرة.
وللمساعدة على حل هذه المسألة، نظم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والهند، بوصفها رئيسا لمجموعة العشرين، أخيرا اجتماع المائدة المستديرة بشأن الديون السيادية العالمية. وهو يجمع الدائنين من القطاعين العام والخاص، وكذلك المقترضين، للمساعدة على التوصل إلى توافق في الآراء بشأن المعايير والعمليات حتى نتمكن من تعجيل حالات إعادة هيكلة الديون، بما فيها تلك التي تجري في ظل الإطار المشترك لمجموعة العشرين.
لكن حتى ونحن ندعو إلى إحراز تقدم في التعامل مع الديون، نحتاج كذلك إلى تعزيز قدرات الصندوق لمساعدة أفقر دولنا الأعضاء. ومن أجل دعمها، قمنا بزيادة الإقراض دون فوائد بما يزيد على أربعة أضعاف ـ فوصل إلى 24 مليار دولار منذ بداية الجائحة. وندعو بشكل عاجل دولنا الأعضاء التي تمتلك مزيدا من الوسائل والقدرات للمساعدة على سد النقص المؤقت في تعبئة الأموال من أجل الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر التابع لنا على مدى الأشهر الستة المقبلة. والآن، ندعو بشكل عاجل دولنا الأعضاء الأغنى إلى المساعدة على معالجة النقص في تعبئة الأموال في الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر التابع لنا.
وتكتسب هذه المسألة أهمية بالغة لضمان قدرة الصندوق على مواصلة تقديم الدعم الحيوي والمساعدة على حفز التمويل من الجهات الأخرى. وبالتالي، فهو يتأكد كذلك من قدرتنا على دعم جميع أعضائنا ـ ولهذا السبب نحن نعمل هذا العام لاستكمال مراجعة الحصص، وهي الوحدات الأساسية في الهيكل المالي للصندوق.
وأصبح من المهم الآن أكثر من أي وقت مضى تكثيف التعاون ـ لتقوية الأواصر التي تربط بيننا ـ بشأن هذه القضية والمجموعة الكاملة من التحديات الاقتصادية التي نواجهها. في تلك اللحظة فقط سيمكننا صعود هذه التلال معا.
يعيدني هذا إلى كلمات نيلسون مانديلا. حين أدرك أن هناك عددا أكبر بكثير من التلال التي يتعين صعودها، قال، "أتوقف هنا لبرهة كي أستريح، وأسترق النظر إلى المشهد البديع من حولي، وأنظر خلفي إلى المسافة التي قطعتها. لكنني.. لا أجرؤ على التواني، فطريقي الطويل لم يبلغ منتهاه".
وربما كان أمام المجتمع العالمي كذلك طريق طويل لنقطعه. لكن، مع تجمع الدول الأعضاء في اجتماعات الربيع التي نعقدها خلال هذه الأيام، ينبغي أن نظل نركز بدقة على المشهد البديع لمستقبل يسوده نمو أقوى وأكثر احتواء.