الصديق الأبدي

من أجمل الأمنيات التي قد تتمناها هو أن تحظى بصديق مخلص يتسم بالوفاء والصدق، يقتسم وإياك مرارة الحياة قبل حلاوتها، وقبحها المخيف قبل جمالها الباهر، ويكون لك بمنزلة عكاز الطريق الذي تتكئ عليه عندما تتراكم الحجارة في طريقك. لا يتوجس قلبك منه خيفة حين تبوح له بأسرارك، ولا تعبث الهواجس بأفكارك خوفا من غدر مفاجئ قد يسدد خنجره في ظهرك، أو خيانة مؤلمة تقضي بقية حياتك تلوم نياتك الطيبة التي أحسنت الظن به، فتغدو نظرتك سوداوية نحو الصداقة مثل الشاعر صفي الدين الحلي الذي قال:
لما رأيت بني الزمان وما بهم
خل وفي، للشدائد أصطفي
أيقنت أن المستحيل ثلاثة
الغول والعنقاء والخل الوفي
لكن حسب الأبحاث النفسية فإن الإنسان حين يشعر بالحزن والضيق لا يبحث عن المشورة والحلول، بل يبحث عن ذلك الصديق الذين ينصت إليه باهتمام ويحترم "فضفضته" والتي في كل مرة تكون شاملة لكل الأحداث والنكبات التي حلت به، والأشخاص الذين تسببوا له بالألم وكيف أنه طيب القلب ويحب الخير للآخرين لكنه يقابل دوما بالإساءة، ثم سيعرج على مشكلاته في العمل ومديره العصبي وزملائه الأنانيين ولن ينسى معاناته مع الأهل والجيران والزوجة والأبناء... ولأن طبيعة الحياة المعاصرة التي نعيشها بضغوطها قد لا تشجع هؤلاء الأصدقاء على تحمل "فضفضة" أصدقائهم طويلا، خصوصا أن كل "واحد فيه اللي مكفيه" كما أنهم ليسوا مكلفين أن يكونوا مجرد إسفنج يمتص سلبيات وعثرات الذين لا يتعلمون من دروس الحياة تحت ذريعة أنهم أصدقاء، ويجب أن ينصتوا، لذا ربما قريبا قد يفكر علماء الذكاء الاصطناعي باختراع روبوت مهمته الأولى أن يكون صديقك الأبدي الذي ينصت إليك وإلى حكاياتك السابقة والحالية والمستقبلية، ويستمع "لفضفضتك" دون تذمر، حتى لو كنت من أولئك الأشخاص الذين يكررون الأخطاء نفسها كل مرة، ويتلذذون بتقمص دور الضحية ولا يتعلمون من دروس الحياة، سيكون تصنيع هذا الصديق بمنزلة الخبر السعيد لهذه الفئة، لكن الخبر غير السعيد أن جيفري هينتون الذي يسمونه عراب الذكاء الاصطناعي قدم استقالته من عمله في "جوجل" بعد أن أعلن أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تتضمن مخاطر على المجتمع والإنسانية، ما يعني أن صديقك الأبدي الذي خزنت في ذاكرته كل أسرارك في الحياة ربما بسبب فيروس معين أو غيره، قد ينشر جميع "فضفضتك" في الإنترنت فينطبق عليك المثل الشعبي "لا طبنا ولا غدا الشر".
وخزة:
قلبك هو مخزن أسرارك الذي لا يخونك. فلا تكثر من "الفضفضة"!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي