المنفعة الحدية للأشياء
يبلغ سكان الهند 1،42 مليار نسمة، في حين لا يتجاوز سكان قطر 300 ألف مواطن فقط. ولكن حين تلتقي الدولتان على ملاعب كرة القدم لا يمكن لأي طرف تقديم أكثر من 11 لاعـبا، وهذا ما يحدث تقريبا في عالم الأثرياء، فهناك من يملك 1،42 مليار دولار، وهناك من يملك 300 مليون فقط، ولكن كلاهما يتساويان في الرفاهية والبذخ ومظهر الثراء.
والأمر نفسه ينطبق عليك أنت، فحتى لو افترضنا أنك تصرف ألف ريـال "يوميا" لن ينفعك الفائض، وسيكلفك "المزيد" جهدا وعمرا وأياما تخسرهـا إلى الأبد.
يعـرف هذا بـ"المنفعة الحدية للأشياء" حين لا يعـود امتلاك المزيد نافعا أو مفيدا على أرض الواقع. كل إنسان حولك يملك منفعة حدية خاصة به، وسقفا أعلى تقل بعده قدرة المال على نفعه ومنحه ما يريد ـ خصوصا حين يتعلق الأمر بـالأشياء التي لا يمكن شراؤها بالمال كالصحة والاحترام وصلاح الأبناء.
وفهمنا مبدأ "المنفعة الحدية للأشياء" يفتح أنظارنا على إمكانية تطبيقه على كل شيء يحتاج إليه الإنسان ـ من السعادة والحنان، إلى تناول الطعام وشرب الماء. فحين تكون تائها في الصحراء يصبح قدح الماء أغـلى ما يمكنك شراؤه، وستدفع كل ما تملك للحصول عليه. أول قـدح سيكون أعظمها فائدة وأكبرها قيمة وأكثرها أهمية. وفي الأغلب ستدفع نصف ما تملك للحصول على القدح الثاني لأنك ما زلت تشعر بالعطش، وقـد تطلب الثالث، ثم الرابع. ولكن مع كل قدح جديد تـنخفض منفعة الماء وتقـل قيمته في نظرك، وحين تبدأ بشرب الخامس تتوقف ولا تستطيع إكماله حتى لو قدم إليك مجانا، "وهنا نقول إن المنفعة الحدية للماء انتهت عند القدح الخامس".
وكما أن للمال والماء منفعة حدية، للسعادة والمتعة أيضا جرعات حدية.
وهذه الحقيقة تفـسر لماذا لا يشـعر الأغـنياء بسعادة أكبر من الفقراء. فقد يشتري المال السعادة والفرح، ولكن لفترة وجيزة تنتهي بمجرد تعودنا على وجوده. يشتري السعادة للفقير والمحتاج، ولكنه لا يشتري السعادة لثري يملك أموالا تفيض عن حاجته. وهذا يعني أن السعادة الناجمة عن تحصيل المال تتناقص كلما ارتفعت كميته حتى يتحول "عند حد معين" إلى مجرد خانات رقمية لا تعني شيئا للأثرياء ـ ولا يستفيد من الفائض فعـليا غير البنـك.
ولهذه الأسباب مجتمعة، أنصحك بالتعرف على منفعتك الحدية من المال والسعادة وكل ما تحتاج إليه في الحياة. لا أنصحك بالزهد أو التصديق بأن القناعة كنز لا يفـنى، ولكنني أذكرك فـقـط بأن المال وسيلة للعـيش والاستمتاع بالحياة، وليس هـدفا نبيلا تضحي من أجله بالعمر والحياة.