استعد للرحيل
جميعنا يعرف قصصا حقيقية عن أشقاء اختلفوا على ميراث والدهم. وجميعنا سمع عن بنات ظلمن في الميراث من إخوانهن أو أعمامهن. وجميعنا يدرك أن بريق المال يطغى على الأحزان، وأن الروابط العائلية ترتخي بعد وفاة الأب بعدة أيام.
والمخطئ الأول في كل هذه المآسي هو "المرحوم" نفسه. يتحمل الخطأ الأكبر لأنه لم يفكر "أثناء حياته" في مصير ثروته بعد وفاته.
لم يتخذ أي إجراء مبكر يمنع اختلاف أبنائه بعد رحيله. لم يفعل شيئا لضمان حقوق أبنائه القصر، أو بناته اللاتي لا يملكن شقيقا يمنع أقربائه من مشاركتهن الميراث.
أما بخصوصك أنت، فهناك إجراءات كثيرة يمكنك فعلها "خصوصا حين تدخل سن الشيخوخة" لضمان عدم حدوث ذلك لورثتك.
يمكنك مثلا توزيع جزء من أملاكك على أبنائك كي تتعرف على أكثرهم أمانة ومهارة في الاستثمار. فحين تصل إلى سن الـ60 يكون أبناؤك قد تزوجوا وأسسوا عائلاتهم الخاصة. وفي هذه المرحلة، يمكنك أن توزع عليهم 40 في المائة من أملاكك لترى مهارتهم في استثمارها والحفاظ عليها. وحين تصل إلى سن الـ70 يكونون قد دخلوا العقد الرابع من العمر، وحينها يمكنك توزيع 60 في المائة من أملاكك عليهم خصوصا أن بعضهم يكون قد حقق نجاحا استثماريا لافتا في آخر عشرة أعوام. أما حين تصل إلى سن الـ80 فتصبح الخطورة ليست في ضياع المال، بل في ضياع قدرتك على اتخاذ القرارات السليمة. وحينها أنصحك بتوزيع 90 في المائة من ثروتك عليهم لأنهم وصلوا الآن إلى سن الـ50.
لا تتردد في فعل ذلك، لأنهم من سيرثك في النهاية. وبدل تنازعهم بعد رحيلك، وضياع أملاكك بعد وفاتك، وزعها عليهم خلال حياتك وتحت إشرافك.
ويصبح الأمر أكثر إلحاحا حين تملك عدة زوجات أو تعاني لا قدر الله مرضا عضالا، أو لم يرزقك الله غير البنات.
في كتابي الأخير "الاقتصاد الذي يهمك" خصصت فصلا كاملا لهذا الموضوع بعنوان: استعد للرحيل. تحدثت فيه عن ستة إجراءات أخرى "غير التوزيع" لحماية أموالك وضمان انتقالها إلى أبنائك دون مشكلات مثل تسجيلها كوقف، أو تحويلها إلى شركة تضامنية تمنحهم حقوقا متساوية في الأرباح والعوائد.
افعل ذلك قبل رحيلك واختلاف ورثتك من بعدك.
افعل ذلك لضمان حقوق أبنائك القصر وذريتك الخالصة من البنات.
افعل ذلك لكي لا تتكرر مع ورثتك المآسي ذاتها التي تسمعها هذه الأيام.
افعل ذلك قبل أن يرفع المظلوم يديه داعيا عليك، بدل أن يدعي لك.