لماذا نشوه صورة عباقرتنا؟

في مقال الإثنين الماضي استعرضت نماذج لعلماء وعباقرة اتهموا بالجنون في زمانهم، قـبل أن يثبت الزمان صحة أفكارهم، وحينها اقتصر حديثي على نماذج "غربية" لكون مساحة المقال حالت دون استعراض نماذج من تاريخنا العربي والإسلامي، حيث تستبدل تهمة الجنون عادة بالكفر والإلحاد.
وأعتقد شخصيا أننا نعاني مأزقا حقيقيا بخصوص من ندعوهم "عباقرة العرب والمسلمين"، فأولا، معظم هؤلاء العباقرة لم يكونوا عربا "بدليل موقع الولادة" كالرازي والبيروني والخوارزمي والفارابي والبخاري والدينوري وابن سينا، حتى سيبويه رغم نحوه.
أما الأسوأ، فهو أن معظمهم تم تكفيره أو اتهامه بالزندقة من قبل علماء الدين في الماضي والحاضر، لم يسلم أحد منهم من الطعن والتهمة والتجريح لمجرد أنه كسر المألوف وخالف المعتاد وقدم تفسيرا لا يوافق تفسيرهم.
كثيرون مثلا طعنوا في عقيدة ابن سينا حيث قال عنه ابن القيم "في كتاب إغاثة اللهفان": "هو إمام الملحدين الكافرين بالله وملائكته وكتبه ورسله". وقال عنه الكشميري "في فيض الباري": "ابن سيناء ملحد زنديق قرمطي". وقال عنه أحد مشايخنا هذه الأيام "إنه باطني كافر وفيلسوف ملحد".
أما الرازي فقالوا عنه إنه من مجوسي ضال مضل "في إغاثة اللهفان"، وقال ابن العماد عن الفارابي "في شذرات الذهب": "اتفق العلماء على كفر الفارابي وزندقته". وقالوا عن ابن الهيثم: "كان من الملاحدة الخوارج وسفيها زنديقا كأمثاله من الفلاسفة". وقالوا عن نصير الدين الطوسي: "هو نصير الشرك وطاووس الإلحاد". وقالوا عن محمد الخوارزمي: "العلوم الشرعية مستغنية عنه وعن غيره من الزنادقة الكافرين". وقال ابن تيمية في المجلد الأول في مسألة: الكيمياء هل تصح بالعقل أو تجوز بالشرع: "وجابر بن حيان مجهول لا يعرف، وليس له ذكر بين أهل العلم ولا بين أهل الدين، علما أن الغرب يعترف بجابر مؤسسا للمنهج التجريبي الذي قامت عليه النهضة العلمية الحديثة!
المأزق الذي وضعنا أنفسنا فيه هو:
* إن كانوا زنادقة وملحدين، فلماذا نصنفهم بعباقرة مسلمين؟
* وإن كانوا مسلمين فعلا، فلماذا نكفرهم ونشوه صورتهم أمام أبنائنا؟
* وإن لم نعدهم عربا ولا مسلمين، فمن يتبقى في تاريخنا كي نستشهد به؟
* لماذا نرفضهم في حين نتقبل برحابة صدر عباقرة الأمم "والديانات" الأخرى.
نحن من وضعنا أنفسنا في هذا المأزق لأننا نبحث في النيات قبل الأفعال، ونصنف عباقرتنا بحسب عقائدهم لا بحسب إنجازاتهم. حين نتجاهل الإنجازات العبقرية، ونبحث في النيات الشخصية، ندخل في معضلة تاريخية وتناقضات فكرية لم تعرفها أمة غيرنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي