الاقتصاد العالمي والمسار الصحيح .. لم يخرج من المأزق بعد «1 من 3»
النمو الاقتصادي يبدي صلابته على المدى القصير وسط التحديات المستمرة ولا يزال الاقتصاد العالمي يتعافى بالتدريج من الجائحة والحرب الروسية الأوكرانية. وهناك بوادر على تحقيق تقدم على المدى القصير، لا يمكن إنكارها.
فالأزمة الصحية التي سببتها جائحة كوفيد - 19 قد انتهت رسميا، والانقطاعات في سلاسل الإمداد عادت إلى المستويات التي كانت عليها قبل الجائحة. وكان النشاط الاقتصادي في الربع الأول من العام قد أثبت صلابته، رغم البيئة المحفوفة بالتحديات، والقوة المثيرة للدهشة التي تتسم بها أسواق العمل، وانخفضت أسعار الطاقة والغذاء انخفاضا حادا عن مستويات الذروة التي بلغتها نتيجة للحرب، وهو ما سمح بانحسار الضغوط التضخمية العالمية بوتيرة أسرع من المتوقعة. ولا يزال عدم الاستقرار المالي الذي أعقب اضطراب القطاع المصرفي في آذار (مارس) قيد الاحتواء بفضل الإجراءات القوية التي اتخذتها السلطات الأمريكية والسويسرية.
غير أن هناك كثيرا من التحديات التي لا تزال تخيم على الآفاق، ولا يزال الوقت مبكرا على الاحتفال بهذه التطورات.
ووفق تنبؤاتنا في السيناريو الأساسي، سيتباطأ النمو من مستواه العام الماضي حين بلغ 3،5 في المائة إلى 3 في المائة هذا العام والعام التالي، بارتفاع قدره 0،2 نقطة مئوية لـ2023 مقارنة بتوقعاتنا في نيسان (أبريل) الماضي. ويتوقع تراجع التضخم العالمي من 8.7 في المائة العام الماضي إلى 6.8 في المائة هذا العام، بانخفاض قدره 0.2 نقطة مئوية، وإلى 5.2 في المائة في 2024.
ويتركز التباطؤ في الاقتصادات المتقدمة، حيث سينخفض النمو من 2.7 في المائة في 2022 إلى 1.5 في المائة هذا العام، ويظل ضعيفا فلا يتجاوز 1.4 في المائة العام المقبل. ويتوقع تباطؤ النمو بشدة في منطقة اليورو، التي لا تزال مفتقرة إلى التوازن بفعل الارتفاع الحاد في أسعار الغاز العام الماضي من جراء الحرب.
وعلى العكس من ذلك، لا تزال التوقعات تشير إلى ارتفاع النمو في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية مع تسارع وتيرة النمو على أساس سنوي مقارن من 3.1 في المائة في 2022 إلى 4.1 في المائة هذا العام والعام المقبل. ومع ذلك، فإن هذا المتوسط يحجب اختلافات كبيرة بين الدول، فنجد أن آسيا الصاعدة والنامية ستحقق نموا قويا يصل إلى 5.3 في المائة هذا العام، بينما سيعاني كثير من الدول المصدرة للسلع الأولية تراجع إيرادات التصدير.
وبشأن المخاطر، فإنه من الأنباء الجديرة بالترحيب زيادة قوة النمو وانخفاض التضخم عن المستويات المتوقعة، ما يشير إلى أن الاقتصاد العالمي يسير في الاتجاه الصحيح. ومع هذا، بينما تراجعت بعض المخاطر المعاكسة، لا يزال الميزان مائلا نحو التطورات السلبية.
أولا، هناك إشارات متزايدة على أن النشاط العالمي بدأ يفقد زخمه. فتشديد السياسة النقدية في أنحاء العالم جعل أسعار الفائدة الأساسية في نطاق الانكماش. وبدأ ذلك يؤثر سلبا في النشاط الاقتصادي، ويبطئ نمو الائتمان الممنوح للقطاع غير المالي، ويزيد مدفوعات الفائدة التي تسددها الأسر والشركات، ويفرض ضغوطا على أسواق العقارات. وفي الولايات المتحدة، نجد أن المدخرات الفائضة من التحويلات ذات الصلة بالجائحة، التي ساعدت الأسر على تجاوز أزمة تكلفة المعيشة وتشديد الأوضاع الائتمانية، قد نضبت كلها تقريبا. وفي الصين، فإن التعافي الذي أعقب إعادة فتح الاقتصاد يبدي بوادر تراجع الزخم وسط المخاوف المستمرة بشأن قطاع العقارات، مع ما لذلك من انعكاسات على الاقتصاد العالمي... يتبع.