الاقتصاد العالمي المسار الصحيح .. لم يخرج من المأزق بعد «3 من 3»
ستظهر أخطار في الفترة المقبلة من إعادة التسعير على نحو حاد، إذ ارتفع التضخم على نحو مفاجئ أو تراجعت الرغبة في المخاطرة على مستوى العالمي، وهو ما يسبب الهروب نحو الأصول الآمنة في الدولار وارتفاع تكاليف الاقتراض وزيادة حالات المديونية الحرجة.
وبشأن السياسات الجديدة نأمل، مع بدء تراجع التضخم، أن نكون قد دخلنا المرحلة الأخيرة من الدورة التضخمية التي بدأت في 2021. ولكن الأمل ليس سياسة، وقد تثبت صعوبة الوصول إلى مرحلة الهبوط. وقد أصبحت الأخطار المحيطة بالتضخم الآن أكثر توازنا كما أن هناك احتمالات أقل بأن تحتاج معظم الاقتصادات الكبرى إلى تطبيق زيادات كبيرة إضافية في أسعار الفائدة الأساسية. فقد بلغت أسعار الفائدة ذروتها بالفعل في بعض اقتصادات أمريكا اللاتينية. ومع هذا، فمن الأهمية بمكان تجنب خفض أسعار الفائدة قبل الأوان، أي إلى حين ظهور بوادر واضحة ومستمرة على تراجع التضخم الأساس. وتلك نقطة لم نصل إليها بعد. وفي هذه الأثناء، ينبغي أن تواصل البنوك المركزية مراقبة النظام المالي وتظل على أهبة الاستعداد لاستخدام أدوات أخرى من أجل الحفاظ على الاستقرار المالي.
وبعد مضي أعوام من الدعم الكبير من المالية العامة في كثير من الدول، حان الوقت لاستعادة هوامش الأمان المالي بالتدريج ووضع ديناميكية الدين على مسار أكثر استدامة. وسيساعد ذلك على حماية الاستقرار المالي وتعزيز المصداقية الكلية لاستراتيجية إبطاء معدل التضخم. وليست هذه دعوة إلى التقشف المعمم، فينبغي عند تحديد وتيرة هذا الضبط المالي وتكوينه أن يوضع في الحسبان قوة الطلب الخاص، مع حماية أضعف الفئات. ومع هذا، تبدو بعض تدابير الضبط ملائمة تماما. وعلى سبيل المثال، مع عودة أسعار الطاقة إلى المستويات التي كانت عليها قبل الجائحة، ينبغي إلغاء كثير من تدابير المالية العامة، مثل دعم الطاقة بالتدريج.
ويمثل الحيز المالي كذلك عاملا مهما في تنفيذ كثير من الإصلاحات الهيكلية اللازمة، ولا سيما في الاقتصادات الصاعدة والنامية. ويكتسب ذلك أهمية خاصة نظرا إلى تراجع آفاق نمو نصيب الفرد من الدخل على المدى المتوسط على مدار العقد الماضي. وتشهد الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل تباطؤا أشد حدة مقارنة بالاقتصادات مرتفعة الدخل. وبعبارة أخرى، فإن احتمالات اللحاق بالاقتصادات ذات مستويات المعيشة الأعلى قد تراجعت تراجعا ملحوظا. وفي الوقت نفسه، فإن ارتفاع مستويات الدين يمنع كثيرا من الاقتصادات منخفضة الدخل والاقتصادات الواعدة من تنفيذ الاستثمارات التي تحتاج إليها للنمو بوتيرة أسرع، مع زيادة أخطار الوقوع في حالة المديونية الحرجة في أماكن كثيرة. والتقدم أخيرا نحو تسوية ديون زامبيا يدعو إلى التفاؤل، لكن الحاجة ماسة إلى تعجيل التقدم فيما يتعلق في الدول الأخرى المثقلة بالديون.
ويعزى بعض هذه التباطؤ في النمو إلى تداعيات السياسات الضارة. فزيادة التشتت الجغرافي - الاقتصادي، مع انقسام الاقتصاد العالمي إلى كتل متنافسة، سيوقع أبلغ الضرر في الاقتصادات الصاعدة والنامية التي تعتمد بقدر أكبر على اقتصاد عالمي متكامل، وعلى الاستثمار المباشر ونقل التكنولوجيا. وعدم كفاية التقدم نحو التحول المناخي سيجعل الدول الأفقر أكثر تعرضا لصدمات مناخية حادة متزايدة وارتفاع درجات الحرارة، حتى إن كانت تسهم في جزء صغير من الانبعاثات العالمية. وفي كل هذه القضايا، يظل التعاون متعدد الأطراف أفضل وسيلة لضمان تحقيق اقتصاد آمن ومزدهر للجميع.