اختبار «الهبوط الناعم» لأمريكا «2 من 2»

يأتي اقتراح آخر من وارين موسلر -الأب الروحي للنظرية النقدية الحديثة- الذي أشار إلى أن الدين القومي الأمريكي قد ارتفع إلى ما يقرب من 130 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاعا من نحو 60 في المائة في أوائل العقد الأول من القرن الـ21. فقد ارتفع صافي الفائدة المدفوعة على هذا الدين 35 في المائة من 2021 إلى 2022 -ليصل إلى 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي- وذهب نحو 70 في المائة من هذه المدفوعات إلى القطاع الخاص الأمريكي. إذا أضفنا تأثير الفائدة المدفوعة "بدءا من 2008" على ثلاثة تريليونات دولار من احتياطيات البنوك، فإن الدعم المالي من خلال هذه القناة كان ضخما.
يدعم التاريخ فرضية موسلر. ففي 1981، كان الدين الفيدرالي للولايات المتحدة يمثل نحو 30 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وكان معظمه في شكل سندات طويلة الأجل ذات فائدة ثابتة، مع عدم وجود فوائد مدفوعة على احتياطيات البنوك. نتيجة لذلك، أثرت الزيادات الكبيرة الصادمة في أسعار الفائدة التي أقرها بول فولكر، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، في الغالب على المدينين من القطاع الخاص والاستثمار التجاري، وكانت الدفعة المالية التعويضية من مدفوعات الفائدة ضئيلة.
وعلى النقيض من ذلك، عندما تجاوز الدين الفيدرالي 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 1946، كان معظمه تقريبا في هيئة سندات حرب مملوكة للأسر الأمريكية. على الرغم من تحقيق فائدة لا تتجاوز 2 في المائة، إلا أن هذه السندات وفرت دفعة للدخل الخاص وقاعدة للاقتراض العقاري خلال الخمسينيات من القرن الماضي ـ وهي فترة تتسم بازدهار الطبقة المتوسطة المستقر إلى حد كبير.
إن "القناة المالية" لسداد مدفوعات أسعار الفائدة تشكل مفهوما غير ملائم بالنسبة إلى أولئك الذين يعترضون على "عبء" الدين العام. وهي تشير إلى أن قرار باول برفع أسعار الفائدة قد يكون عاجزا عن إبطاء الناتج المحلي الإجمالي. في الواقع، قد تكون الزيادات الإضافية في أسعار الفائدة توسعية، على الأقل إلى حد ما.
وكما في حالات متطرفة أخرى -مثل الأرجنتين، حيث تصل مدفوعات الفائدة إلى ربع الناتج المحلي الإجمالي أو أكثر- سيؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى زيادة التكاليف بالنسبة إلى الشركات، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ويفرض ضغوطا على أسعار الأصول الثابتة "الأراضي والمعادن والنفط" التي من شأنها أن تظهر في مقاييس التضخم لدينا. وهذا بدوره من شأنه أن يحد من الادخار، ويحفز الاقتراض، ويدفع بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة أكثر.
ومع مرور الوقت، ستتسبب هذه العملية في فوضى اقتصادية. ومع ذلك، إذا كانت هذه الرواية قائمة على أساس سليم ولم تؤد أسعار الفائدة المرتفعة إلى الركود الذي يرغب فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي بوضوح، فسيكون من الصعب تغيير هذا المسار. يمكن أن تعمل الأيديولوجيا والعادات على تغذية الأمل في نجاح هذه السياسة غير الفاعلة بمضاعفة الجهود.
ما الذي قد يوقف هذه الديناميكية؟ تتلخص إحدى الإجابات عن هذا التساؤل في التقشف المالي الشديد، مع استخدام تخفيضات الميزانية لإثارة الركود الذي فشلت أسعار الفائدة في إحداثه. نحن نشهد بالفعل ضغوطا بشأن هذا الخيار من وول ستريت. وفي الأسبوع الماضي، خفضت وكالة فيتش تصنيفها الائتماني لديون الولايات المتحدة السيادية، في خطوة جاءت في توقيت واضح لإخافة الكونجرس مع اقتراب المواعيد النهائية للميزانية. إن مثل هذا التحول في السياسات، إذا كان قويا بما فيه الكفاية، من شأنه أن يكمل عملية سحق مكاسب الطبقة المتوسطة الأمريكية.
بكل تأكيد، من الأفضل القيام بالعكس تماما ـ لتمكين الطبقة المتوسطة وتجريد المصرفيين من إمكاناتهم. وهذا يعني خفض أسعار الفائدة مع تنظيم التدفقات الائتمانية الجديدة، والتحكم في الأسعار الاستراتيجية، وتعزيز الدعم المالي للأسر والوظائف ذات الرواتب الجيدة. يمكن للأشخاص ذوي الدخل المرتفع تقليل اعتمادهم على القروض غير المستقرة.
هذا ما يجب علينا فعله، لكن ينبغي عدم توقع حدوث ذلك في أي وقت قريب.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي