الهرمونات .. بناء للعضلات وتدمير للصحة
قد يكون الحماس المحيط بنمو عضلات جسم الإنسان الأمر الإيجابي الوحيد الذي يدفع الشباب نحو الاعتماد على مواد هرمونية تباع بعضها بشكل نظامي، وأخرى محظورة تروج بطريقة سرية من بعض مدربي الأندية الرياضية بأضرار تفوق الفوائد.
ولهذا أدرك عبدالعزيز البلوشي المدرب الرياضي الخليجي أهمية تحذير الشباب الحالمين في بناء جسم رياضي وزيادة الكتلة العضلية، من المخاطر الكبيرة التي يشكلها تعاطي الهرمونات على الصحة العامة، إذ لجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتبيان حجم الضرر.
ويناضل البلوشي في مواقع التواصل الاجتماعي ليكشف المخاطر الصحية الكبيرة التي يمكن أن تسببه الهرمونات التي تساعد بشكل سريع على بناء جسم رياضي.
وفي زاوية صغيرة بين الرغبة في بناء جسم رياضي وزيادة الكتلة العضلية في أجسام الشباب، وبين المخاطر الصحية الكبيرة جراء تداول هرمونات لها تأثيرات خطيرة على الصحة، تنتشر مفاهيم خاطئة حول استخدام الهرمونات التي تسهم في زيادة الكتلة العضلية بالجسم.
وتلاقي هذه الهرمونات انتشارا واسعا في أوساط الرياضيين والحالمين ببناء أجسام رياضية، وتشير أصابع الاتهام إلى المدربين في الأندية الخاصة، الذين يروجون لهذه الهرمونات ويبيعونها عليهم بأسعار زهيدة بهدف التربح، ويوهمون المتدربين بالنتائج المذهلة والسريعة في التغييرات البدنية.
ويستغل بعض المدربين شعور كثير من الشباب بالاستياء من أجسادهم، خاصة الذين يميلون إلى التركيز على ما لا يملكونه، ما يعزز لديهم الشعور بالنقص، لذلك يلجأون إلى الترويج لاستخدام مواد غير صحية لتعويض ذلك، خاصة هرمون التستوستيرون، الذي له مضاعفات خطيرة على الصحة، وفق مصادر طبية موثوقة.
وتعرف هرمونات العضلات بأنها مركبات كيميائية تصنع بشكل مشابه للهرمونات الطبيعية الموجودة في الجسم والمسؤولة عن تضخيم العضلات وزيادة حجمها وتحسين أداء الرياضي، وهي هرمونات تكون على شكل أقراص أو حقن.
ترويج المدربين
حتى وقت قريب كان بعض الرياضيين المحترفين يتناولون الهرمونات التي تسهم في تحسن الأداء الرياضي، أما الآن فحتى الرياضيين الهواة يستخدمونها.
خلال الفترة المسائية من معظم أيام الأسبوع، يحضر عبدالله الخليفي في النادي الرياضي الخاص ليمارس تمارينه الرياضية التكميلية، ويقول الخليفي: "على مدى عام كامل أسعى خلف هدفي في بناء جسم رياضي وزيادة الكتلة العضلية، ومع تحقيق نتائج جيدة، إلا أنها ليست النتائج المرضية".
وأضاف: "المدرب في النادي نصحني باستخدام هرمونات سيكون لها انعكاسات كبيرة وسريعة في بناء العضلات، وهو ما تم بالفعل، حيث اشتريت منه هرمونا استخدمته وكانت نتائجه سريعة ومبهرة، إلا أنه وبعد مرور فترة، شعرت بأعراض جانبية، خاصة في منطقة الكبد، والآن أجري باستمرار غسيل الكبد في المستشفى نتيجة تناول هذه الهرمونات".
ينتشر استخدام الهرمونات البنائية لتحسين أداء الرياضيين خاصة رياضيي كمال الأجسام بشكل واسع، وذلك لتحسين أدائهم.
وينتج الذكور الأصحاء وفقا لمصادر طبية، ما يقارب من أربعة إلى ثمانية مليجرامات يوميا من هرمون التستوستيرون، الهرمون المختص في زيادة حجم العضلات والمساعدة في بنائها بصورة أسرع، لكن هذه الكمية غير كافية بالنسبة للرياضيين الذين يحاولون بناء كتلتهم العضلية وتحسين أدائهم الرياضي.
وحاول بندر المطيري استخدام مكملات هرمون التستوستيرون لتعويض نقص الهرمون لديه، إذ يروي تجربته قائلا: "يمكنك شراء معززات الهرمون عن على شكل كبسولات، كنت أعلم أنها لن تفيدني كثيرا، لكن جربتها، تقوم الشركات المصنعة للكبسولات باستغلال العواطف، وهذا ما جعلني أشتريها، وبالطبع لم أستفد منها أبدا، لكن النسخة الصناعية من الهرمونات هي وحدها من يمكنها إعطاء نتائج مرضية، يسعى لتحقيقها الرياضيون".
تهديد الحياة
وحذر الدكتور محمد العبدالله استشاري المسالك البولية وأمراض الذكورة من أن سوء استخدام الهرمونات البنائية للجسم يسبب عددا من الآثار الجانبية الخطيرة، منها ارتفاع ضغط الدم والجلطات والنوبات القلبية وتلف الكبد.
وأوضح العبدالله أن هرمون التستوستيرون يؤدي دورا أساسيا في تنظيم الكتلة العضلية وطريقة استجابة الجسم للتمارين الرياضية، وعند القيام بجهد رياضي لفترة طويلة تواجه العضلات صدمة بسيطة، لذا بعد ذلك يبدأ الجسم في إصلاح النسيج العضلي التالف وزيادة قوته وحجمه.
وأشار إلى أن استخدام التستوستيرون التي تباع في الصالات الرياضية التجارية مشكلة في الوقت الحالي، ويعتقد أن نسبة غير قليلة من مرتادي الصالات الرياضية التجارية يستخدمون الهرمونات لبناء العضلات، وهي أكثر استخداما بين الرياضيين الهواة.
وعن الحالات الغريبة التي عالجها، قال استشاري المسالك البولية وأمراض الذكورة أن هنالك مراجع في الـ17 من عمره يستخدم هذه المواد، وهو أمر خطير، حيث كان يحقن نفسه بأكثر من 1000 مليجرام من مشتقات التستوستيرون أسبوعيا، إضافة إلى أنه يتعاطى كبسولات يوميا، وهي كمية خطيرة قد تهدد حياته.
وأضاف: "استعمال هرمون بناء العضلات يترافق مع عديد من الآثار السلبية التي تؤثر في حياة المستخدم، كما أنها قد تسبب ضررا غير قابل للتراجع حتى بعد إيقافها في بعض الأحيان".
وعد استشاري المسالك البولية وأمراض الذكورة أهم مخاطر الهرمونات في أمراض وسرطان الكبد سرطان الخصية وضمور الخصية، ضعف الانتصاب والعجز الجنسي، العقم، ارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين والموت المفاجئ، ارتفاع مستويات السكر والإصابة بمرض السكري، توقف النمو عند المراهقين، الاكتئاب والعنف وزيادة العدوانية، والصلع.
وأكد أن هذه الأدوية تخضع للرقابة في أغلبية دول العالم، إلا أنها تغيب في المجتمعات العربية لذلك يجب تحذير الشباب بشدة ضد استخدام هذه الأدوية ونشر الوعي بين الرياضيين.
إدمان الهرمونات
وتؤيده الدكتورة بثينة اليوسف استشارية طب الأسرة ما ذهب إليه العبدالله، وتضيف أن الاضرار الناتجة عن استخدام الهرمونات تتمثل في أعراض قلبية مثل أمراض القلب التاجية واعتلال عضلة القلب، أمراض الضغط، الالتهابات مثل التهاب الكبد الوبائي أو نقص المناعة، تأثر الجهاز العضلي الهيكلي مثل تمزق الأوتار، الأمراض النفسية العصبية كالاكتئاب والعدوان والإيذاء والاعتمادية، الجهاز التناسلي مثل قصور في الغدد التناسلية والتثدي (تضخم الثدي عند الرجال) وحب الشباب، الجهاز الهضمي، خصوصا الكبد وحصوات المرارة.
وأشارت اليوسف إلى أن الرجال الذين يتناولون الهرمونات لتحسين الأداء الرياضي يترددون بالتوقف حتى عندما لم يعودوا للمشاركة بالنشاط الذي أخذوا العقاقير من أجله في الأصل، وأكدت أنه من الممكن أن يصاب متعاطي الهرمونات بالإدمان أو التعود ويطلب جرعات أعلى للاستجابة للتأثير المطلوب.
وتقابل من الأعراض الانسحابية، لذا يتم علاجه مثل أي مشكلة دوائية على الرغم من أنها لا تعطي تأثير ارتفاع المزاج اللحظية من التعاطي، لكنها ما زالت تعطي تأثير التعود، ويجب أن يتعالج في مراكز الإدمان في العيادات الخارجية أو التنويم على حسب الحالة.
وفاة رياضيين
من جانبه، رأى عبدالإله بن محمد الشريف خبير دولي في مجال مكافحة المخدرات، أن جميع الرياضيين يفضلون أن يكونوا نشطاء أقوياء في الألعاب الرياضية المختلفة سعيا إلى تحقيق إنجازات ذاتية ومجد مجتمعي ووطني، مشيرا إلى أن وجود بعض الرياضيين على مستوى العالم خاصة في البطولات الإقليمية والعالمية يستخدمون المنشطات المحظورة المدرجة في القائمة المعيارية الدولية التي يساء استخدامها وآخرون يستخدمون المواد الممنوعة التي تأتي ضمن المواد المجرمة في المعاهدات والاتفاقيات الدولية في مجال مكافحة المخدرات.
وقال: "وهناك الجانب الآخر، وهو استخدام الاستيرويدات الأندروجينية البنائية التي تبني العضلات، خصوصا في ألعاب القوى ورياضة كمال الأجسام، ومع الأسف يستخدم بعض الرياضيين سواء في الملاعب أو صالات الرياضات الموجودة في كافة دول العالم، أنواعا من الهرمونات والأدوية التي تعزز هرمون التستوستيرون مثل هرمون الأندرو وغيرها لبناء العضلات وتقوية الأداء الجسدي وهذه الهرمونات تسبب عديدا من الأمراض الصحية والنفسية".
وضرب الشريف أمثلة لعدد من اللاعبين الذي أصيبوا بسكتات قلبية ودماغية كبطل آرنولد كلاسيك ماكميلان بطل كمال الأجسام الأمريكي الذي توفي عام 2017 بنوبة قلبية وعمره 44 عاما، وجو ليندنر بطل كمال الأجسام الألماني توفي أخيرا وعمره 30 عاما أصيب هو الآخر بنوبة قلبية أثناء ممارسته الرياضة، مضيفا: "وشخصيا شهدت حادثة سقوط أحد اللاعبين في إحدى الصالات في دولة عربية قبل ثمانية أعوام، تم نقله للمستشفى وكادت تنتهي حياته بسبب استخدامه للمواد الهرمونية".
مخالفة للقانون
وأشار الشريف إلى أن هرمونات الأندرو والأدوية المماثلة التي تستخدم في بناء العضلات لا تعد من المواد المخدرة، لكن استخدامها دون وصفة طبية تخالف القانون في الولايات المتحدة وأوروبا وأنظمة الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات (wada) وأنظمة مكافحة المنشطات في معظم الدول، وهناك عديد من المواد المحظورة المدرجة في القائمة المعيارية الدولية للمواد المحظورة الصادرة عن wada في إطار المادة السادسة والمادة الـ17 من قانون الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA التأديبي، ولذلك فإن تلك المواد من الاستيرويدات الأندروجينية البنائية محظورة في قانون (الفيفا) ومع الأسف فإن بعض الرياضيين يسيئون استخدامها ولا يعلمون عن مدى خطورتها الصحية.
وبين الشريف أن هذه الهرمونات قد تكون قاتلة في النهاية وتدمر الصحة بدلا من أن تحسن منها، ونصيحة لكل الرياضيين لا ينبغي أن تنساقوا وراء أصحاب الشائعات ومدعي أن الهرمونات لا تسبب أضرارا أو أعراضا جانبية، فهي بالفعل قاتلة.
سن قانون مكافحة المنشطات
في عام 2004، تم تنفيذ القانون العالمي لمكافحة المنشطات من قبل المنظمات الرياضية قبل الألعاب الأولمبية في أثينا، اليونان. في نوفمبر 2007، اعتمدت أكثر من 600 منظمة رياضية (اتحادات رياضية دولية، ومنظمات وطنية لمكافحة المنشطات، واللجنة الأولمبية الدولية، واللجنة البارالمبية الدولية، وعدد من الاتحادات المهنية في مختلف دول العالم) بالإجماع مدونة منقحة في المؤتمر العالمي الثالث حول تعاطي المنشطات في الرياضة، يدخل حيز التنفيذ في 1 يناير 2009.
وفي عام 2013، تمت الموافقة على مزيد من التعديلات على القانون، ما أدى إلى مضاعفة العقوبة على الجريمة الأولى التي يتم فيها تحديد المنشطات المتعمدة، مع السماح بفرض عقوبات أكثر تساهلا على انتهاكات القواعد غير المقصودة أو للرياضيين الذين يتعاونون مع وكالات مكافحة المنشطات، ودخل الكود المحدث حيز التنفيذ في 1 يناير 2015.
وفي 16 نوفمبر 2017، بدأ مجلس إدارة الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات عملية مراجعة الكود لعام 2021، التي تضمنت مراجعة متزامنة للمعايير الدولية، أتيحت لأصحاب المصلحة فرص متعددة للمساهمة وتقديم توصيات حول كيفية زيادة تعزيز البرنامج العالمي لمكافحة المنشطات بعد عملية المراجعة، تمت دعوة أصحاب المصلحة للتدخل علنا بشأن المدونة والمعايير المقترحة خلال المؤتمر العالمي الخامس للوكالة بشأن تعاطي المنشطات في الرياضة في كاتوفيتشي، وهي فرصة اغتنمت من قبل أكثر من 70 منظمة من أصحاب المصلحة، وتمت الموافقة على مجموعة من المعايير من قبل مجلس إدارة المؤسسة واللجنة التنفيذية على التوالي.