«ضجيج الثروة» .. هوس الشهرة واستفزاز المجتمع

«ضجيج الثروة» .. هوس الشهرة واستفزاز المجتمع
«ضجيج الثروة» .. هوس الشهرة واستفزاز المجتمع
«ضجيج الثروة» .. هوس الشهرة واستفزاز المجتمع
«ضجيج الثروة» .. هوس الشهرة واستفزاز المجتمع
«ضجيج الثروة» .. هوس الشهرة واستفزاز المجتمع

هذا يستعرض يخته والتكاليف المالية التي ينفقها عليه، وهذه تتباهى بحقيبة يد من ماركة عالمية قيمتها 100 ألف ريال، وذلك يستعرض قصره بما يحتويه من غرف وأثاث، وتلك أسرة تقيم حفل زواج لابنها أو ابنتها بمبالغ خيالية وتبذير لا حدود له، واستعراض على منصات التواصل الاجتماعي، وأحدهم يتفاخر بلوحة سيارة مميزة بعد دخوله في مزاد والظفر بها من خلال دفع ملايين الريالات عليها، وإحداهن تصور حقيبتها وتتفاخر بأنه لا يوجد منها سوى قطعة واحدة في العالم.. ما سبق عينة مصغرة لكثير من المتباهين والمتفاخرين بإسرافهم وتبذيرهم.
وهكذا يستمر مسلسل التفاخر والمباهاة وتبذير الأموال والإسراف "الهياط" عند عديد من الأثرياء ومن يسمون أنفسهم مشاهير التواصل الاجتماعي، بطرق استفزازية وتصرفات لا يقبلها العقل أو المنطق، بل تجعلهم عرضة للانتقاد والسخرية ونفور المجتمع منهم.
هذه المظاهر والصور ليست من الخيال، بل واقع يعيشه المجتمع مع أناس تصدروا مشهد منصات التواصل الاجتماعي، ليس بعلمهم وما يحملون من الثقافة، بل بتفاهتهم وأساليبهم المستفزة، في محاولة منهم لإيجاد مكانة اجتماعية لهم واللهث وراء الشهرة.
"الإقتصادية" رصدت عديدا من هذه المظاهر، وطرحت عديدا من الاستفسارات على مختصين في الجوانب الدينية والنفسية والمجتمعية، حيث طالبوا بأهمية سن أنظمة وقوانين تمنع هؤلاء من تلك الممارسات ومن حفلات الاستعراض بمظاهر البذخ والترف التي يعيشونها، التي بدأت تتجه إلى صور مستفزة لأفراد المجتمع وتشويه له.

 

اللهث وراء الشهرة

قال الدكتور عبدالملك المجري إخصائي اجتماعي، "مثل هذه السلوكيات الخاطئة من قبل بعض مشاهير منصات التواصل الاجتماعي من تفاخر بأموالهم، وبما ينفقون على مقتنيات مبالغ فيها، وتصوير ذلك ونشره في مواقع التواصل التي أشهرتهم فجأة، تتسبب في تهديد لأفراد المجتمع بأكمله بعدة صور من الإحباط وفقدان الطموح وانتشار السطحية وضحالة الأهداف".
وأشار المجري إلى أنه وقف على عديد من المشكلات الأسرية بسبب تأثير تفاخر هؤلاء المشاهير بأموالهم ومقتنياتهم في المجتمع، حيث لا يستطيع رب الأسرة أن يلبي لزوجته وأبنائه ما يشاهدونه عبر شاشات هواتفهم المحمولة من مظاهر البذخ لهؤلاء المشاهير، ما دعاهم إلى عقد المقارنات وعدم الرضا بما لديهم.

مفلسون فكريا

تأسف الأخصائي الاجتماعي من هذه السلوكيات التي أصبحت تتزايد بشكل متواصل في الآونة الأخيرة، وزاد أن "بعض أفراد المجتمع لا يفتشون إلا عمن يتحدث عن أمواله ومقتنياته وحياته الخاصة، ما دعا هؤلاء المشاهير - المفلسون فكريا - إلى التفاخر بأموالهم كيف ينفقونها ويستمتعون بها، حتى أصبح بعض أنواع ذلك التفاخر يخرج عن الذوق العام، فيحاول البعض أن يتفاخر بطريقة جارحة للبعض، حتى بات مؤثرا في حياة وأسلوب معيشة الناس الذين يشعرون بالنقص أمام أفراد يعيشون برفاهية فوق الخيال".
وشاركه الرأي أحمد الغامدي مستشار أسري ونفسي، وقال "إن مثل هذه التصرفات تؤكد أن شهرتهم خطأ، رغم الثروات الهائلة التي هبطت فجأة، إلا أنهم مفلسون فكريا، ما انعكس على تصرفهم والبذخ بأموالهم، حيث يتصور بعضهم أن الشعور بالسعادة يرتبط شرطيا بتحقيق الثروة والشهرة، ومع ذلك فإن تجربة أن يصبح الشخص مشهورا وتحت أضواء وسائل الإعلام طيلة الوقت، تضعه في اختبار صعب لتوازنه النفسي، ولهذا فمن غير المستغرب أن يكونوا عرضة لأضرار نفسية ناجمة عن الوجود في دائرة الضوء الإعلامي".

هوس الشهرة

بينما ترجع بشرى العبدالعزيز أخصائية نفسية، هذه السلوكيات إلى خشية عديد من المشاهير أن تزول شهرتهم، ما يدفعهم إلى الهوس باستمرار بفقدان انتباه متابعيهم ووسائل الإعلام، ومحاولة لفت الانتباه بمثل هذه السلوكيات الخاطئة، خوفا من فقدان الأضواء، وأن يترك هؤلاء المشاهير فريسة للشعور بالحرمان، وبعد ذلك يحاولون يائسين استعادة الشهرة، حتى إن كلفهم هذا اللجوء إلى سلوكيات التدمير الذاتي كوسيلة للتغلب على مشاعر انطفاء الشهرة.
وترى أن الظاهرة برزت لدى بعض المشاهير أو ممن يملكون أموالا تعويضا عن نقص ما، أو نتيجة خلل في الثقة بالنفس، ما ينعكس سلبا على حياة الفرد، والعائلة وتنشئة الأطفال في الأسر، معتبرة أن الأشخاص الذين يتصرفون خارج إطار رغبتهم يعانون عدم الثقة بالنفس، وعدم احترامهم لذواتهم، مشيرة إلى الدور السلبي لمنصات التواصل الاجتماعي، من خلال التركيز على المقتنيات المميزة الخاصة ببعض المشاهير وأصحاب رؤوس الأموال.

أبعاد مرضية ونفسية

تؤكد العبدالعزيز أن لهذه الظاهرة أبعادا مرضية، فينعزل الإنسان تماما عن واقعه، ويعيش في عالم التباهي الافتراضي، حيث ترى أهمية معالجة هذه الظاهرة بالتوعية، ونبذ من يلجأ إلى التفاخر بأمواله من المشاهير أو غيرهم، مشيرة إلى الدور الكبير للمشايخ والمربين من المعلمين والمعلمات.
ولا ينكر عبدالرحمن الجويد باحث في الشأن الاجتماعي، أن الظهور أمام الناس بمظهر جميل ومتميز في مختلف جوانب الحياة مطلب محبب ومرغوب ولا ينكر أحد أهميته، إلا أن الأمر يتعدى حدود الواقع، فذلك ربما يكون علامة على أمراض نفسية واجتماعية، كون الإنسان يتظاهر بما هو مزيف وكاذب ولا يوضح الواقع الذي يعيشه.
وقال "هذه المظاهر للمشاهير وعلى المدى البعيد تحول هذه السلوكيات لدى بعض أفراد المجتمع إلى ثقافة تتحكم في نمط حياة كثيرين في المجتمعات، وتدفع أشخاصا إلى البحث عن أفضل وأحدث المقتنيات، والهوس بالشراء بدءا بالملابس الفاخرة، مرورا بالهواتف والساعات والسيارات الفخمة، وصولا إلى الكماليات، حتى إن لم يمتلكوا ثمنها".
وشدد على أن التعبير عن سلوك المتفاخر أو المتباهي، سلوك مكتسب من البيئة المحيطة أو نتاج عوامل وراثية، وفي بعض الأحيان يكون نتاج تفاعل العاملين معا من أفراد المجتمع، الذين لا ينكرون هذه التصرفات، مبينا أن بعض سلوكيات التفاخر والإسراف على شراء الكماليات أو التفاخر ببعض أنواع العلاقات الاجتماعية، لها نتائج سلبية على الفرد والمجتمع.

تهديد القيم والنسيج الاجتماعي

من جانبه، قال خالد الصقعبي مشرف توجيه طلابي، "إن مثل هذه الأفعال تؤثر بشكل غير مباشر في سلوكيات الطلاب والطالبات في المدارس، من خلال محاولة محاكاتهم وتقليدهم"، منوها بأن بعض المشاهير داء خطير يهددون القيم والنسيج الاجتماعي، وغيروا المفاهيم تجاه التعليم والجد والكفاح وطريقة كسب الرزق والطريقة الطبيعية للحياة، وعلينا حماية أبنائنا من ممارساتهم الخاطئة التي اجتاحت منازلنا وشوهت كثيرا من المعاني الجميلة وأثقلت كاهل الأسر.

أسلوب تسويقي

لا يستبعد إبراهيم الطريف مسؤول تسويق، تعمد بعض المشاهير مثل هذه السلوكيات الخاطئة، من أجل استمرار الضوء عليهم، والبقاء في دائرة الشهرة، وحصد عديد من المشاهدات في منصات التواصل الاجتماعي، بغض النظر عن المحتوى الذي قدمه، فالمهم لدى المشهور ومن يتولى التسويق له عدد المشاهدات لهذا المحتوى.

أفعال السفهاء

حذر الشيخ الدكتور علي بن إبراهيم أستاذ علوم الشريعة، المفاخرين بأموالهم من المشاهير وغيرهم من هذه السلوكيات التي تنافي التعاليم الإسلامية، واصفا فاعليها بالسفهاء الذين لا يقدرون نعم الله عليهم، وقال "إن الإسلام نهى عن التفاخر والمباهاة بالمال، وبين أن ملكيته الحقيقية لله عزوجل، فقال تعالى "لِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ"، وأن الإنسان مستخلف فيما خوله من فضله ومنحه من رزقه، قال تعالى "وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ".
وأشار إلى أن ما يلجأ إليه بعض المشاهير من المظاهر الكاذبة والبذخ الزائد، يوجد الضغينة بين أفراد المجتمع، داعيا مشاهير منصات وسائل التواصل الاجتماعي والمفاخرين بأموالهم إلى أن يتقوا الله سبحانه وتعالى فيما يقولون ويفعلون، ولا يتفاخرون فيما يرجع على الأمة بالضرر، وعليهم بالإثم.
وزاد، أن الله أمر بأن يكتسب العباد أموالهم من حلال طيب، كما في قوله تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا"، كما نهاهم عن إضاعة المال وإعطائه السفهاء، فتفوت بذلك مصالح كثيرة ويكون الفقر والحاجة، فقال سبحانه "وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا"، والتبذير سبب من أسباب الهلاك ومحق البركات وزوال النعم، لأنه تفريق المال على وجه لا يليق، وهو أيضا أخذ المال من حقه ووضعه في غير حقه.

الأكثر قراءة