هل يستعيد العالم وعيه؟
يمر العالم بتحولات كبيرة في المفاهيم والأفكار التي تؤثر في حياة الأفراد والأسر والمجتمعات. ولعل جولة شاملة في الأفكار والرؤى التي يتم الترويج لها في كل مصادر المعلومات التقليدية أو الحديثة بهدف التعرف على أهلية هذه المصادر وقيمتها في ميزان الموثوقية، لتبين أن جزءا من هذه الرؤى والأفكار مصادره ليست لها قيمة تذكر، عدا كون أصحابها قد شرعت لهم قنوات نشر وبث قادرة على الوصول إلى شرائح متعددة، وقادرة على مزاحمة ما لدى الناس من أفكار ذات جودة وقيمة في إيجاد أفراد ومجتمعات صلبة، متماسكة، واثقة بمكوناتها الثقافية والقيمية.
موجة الإلحاد والشذوذ الجنسي أصبحت بضاعة يروج لها أفراد، وهيئات، ودول، ووسائل إعلام، ومستفيدون فكريا وماديا، ويحسنون السموم التي يروجون لها بتبريرات عدة، منها ما قد ينطلي على البعض، خاصة السذج، ومفتقدي التأسيس التربوي القوي والجيد الذي يشكل حصانة تقيهم الوقوع في فخ هذه الأفكار الهدامة لكل معتقد راسخ وفضيلة.
تمثل "نتفلكس" وسيلة إعلام حديثة لها تأثير قوي في تشكيل عقول وميول واتجاهات الناس، خاصة الأطفال لقلة الوعي، وعدم النضج العقلي والانفعالي، ما يجعلهم هدفا سهلا لهذه الموجات من حملات التأثير المبرمج، والمبني على أسس نفسية تتسلل إلى عقولهم بشكل غير مباشر، ما يسهل استمالتهم، واستقرار هذه الأفكار في عقولهم ووجدانهم، حتى ليعجب المراقب من دعاية لبضاعة تحمل شعار الشذوذ، أو لون العلم يعرض في فيلم، أو برنامج، أو فيلم كرتون.
المشكلة ليست بسيطة لنتوقع أن من يقف وراء مثل هذه الأفكار أشخاص جشعون، يسعون لجمع المال دونما أخذ لقيم المجتمعات ومقدساتهم، بل إن الأمر يتعدى إلى هيئات عالمية ودول. في 2008 قدمت كل من هولندا وفرنسا مبادرة مدعومة ببيان من الاتحاد الأوروبي تطالب بالاعتراف بحقوق الشاذين جنسيا، لكن هذه المبادرة كانت محل خلاف بين أعضاء الجمعية العامة، كما قدمت جامعة الدول العربية بيانا معارضا لهذا التوجه.
بعض الدول الغربية أدخل تعديلات على قوانينها تتضمن اعترافا، وحقوقا لهذه الفئة، حتى إن المحكمة العليا في أمريكا شرعت زواج المثليين ما أثار المحافظين، وتحول الموضوع إلى قضية سياسية يتاجر بها السياسيون، ويزايد بها الحزب الديمقراطي على منافسه الحزب الجمهوري، ولم يقتصر الأمر على الشأن الداخلي الأمريكي، بل تعدى ليكون قضية دولية تهدد بها الدول التي تجرم هذه الممارسة، وتعاقب عليها، كما أصبحت مجال مناكفة سياسية، إذ رفعت السفارة الأمريكية في موسكو علم المثليين في تحد سافر لحكومة روسيا.
السؤال المحير: كيف لدول العالم، ممثلة في الحكومات خارج الفضاء الغربي، أن تترك قيادة العالم لدول ليس لديها للقيم والمبادئ والأديان قيمة تذكر، فترك الأمر لدول بلغت حد الانهيار الخلقي سيفقد المجتمعات خارج الفضاء الغربي تماسك المجتمعات ومناعتها التي اكتسبتها بفضل منظومة القيم التي تحيك النسيج الاجتماعي بخيوط قوية لكن قد تضعف هذه المجتمعات أمام القوة والهيمنة العسكرية والسياسية الغربية؟!
إن ترك الحبل على الغارب -كما يقول المثل- لدول بلغت هذا الحد من ضعف القيم نذير شؤم على العالم أجمع.