التمكين الرقمي .. الجودة والفوائد

عندما وضعت المخططات الخاصة بالخدمات الرقمية في السعودية ضمن "رؤية المملكة 2030"، انطلقت من مفهوم واسع عن القيادة العليا، ومن ضرورة الاعتماد على هذه "الأداة" في أغلبية القطاعات العاملة، التي توفر بدورها الخدمات إلى الأفراد. الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، الذي يرأس مجلس إدارة الهيئة العامة للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا"، كان واضحا في طرح المفهوم العام في هذه الساحة، إذ قال: "إن الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء تجنب العالم كثيرا من المضار، وتجلب كثيرا من الفوائد الضخمة". وأضاف: "نحن نعيش في زمن الابتكارات العلمية والتقنيات غير المسبوقة، وآفاق نمو غير محدودة، ما يجعل هذه التقنيات الجديدة أساسية"، وهذا ما يفسر التقدم الذي حققته المملكة في الأعوام القليلة الماضية في هذا القطاع الذي لا يتوقف عن التوسع وعن التجدد والابتكارات الكبيرة من حيث قيمتها وتأثيرها.
وكان طبيعيا أن تسجل الأرقام الأخيرة مؤشرات مهمة للغاية عن النجاحات التي تحققت على الساحة السعودية في هذا المجال، بما في ذلك تصدر البلاد القائمة العالمية في ركيزة الاستراتيجية الحكومية لمؤشر الذكاء الاصطناعي للعام 2023، كما احتلت المركز الثاني في الوعي المجتمعي بالذكاء الاصطناعي للعام نفسه، استنادا إلى مؤشر جامعة "ستانفورد الدولي للذكاء الاصطناعي".
هذا التقدم المتميز والسريع وفر لمدينة الرياض -مثلا- مكانة متقدمة في قائمة المدن الذكية، باحتلالها المركز الـ30 عالميا والثالث عربيا، في الوقت الذي تجري فيه الخطوات سريعة نحو ما يمكن وصفه بـ"التمكين" في مدة زمنية قصيرة مقارنة بموجات الذكاء الاصطناعي العالمية التي انطلقت مبكرا.
فالوصول إلى مراكز متقدمة عالميا وإقليميا يؤكد مجددا أن المخططات التي جاءت في صلب "رؤية المملكة" تنفذ بأعلى معايير الجودة، كما تنفذ في قطاعات أخرى بالمستوى نفسه.
الطموحات في هذا المجال لا تتوقف، ولا سيما في ظل توجه من أعلى هرم القيادة بأن تكون الخدمات الرقمية بكل أنواعها في المراكز الأولى، فضلا عن الاهتمام الواضح في توسيع نطاق هذه الخدمات بفترات زمنية قصيرة.
فوفق الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا"، حققت منصة استشراف لدعم اتخاذ القرار وفورات مالية بلغت 50 مليار ريال، وهذا ما يفسر أيضا وصول عدد المستخدمين النشطين في تطبيق "توكلنا" للخدمات إلى أكثر من 17.9 مليون، يستفيدون من أكثر من 240 خدمة إلكترونية. ومن الضروري أيضا الإشارة إلى إضافة أكثر من 1.8 مليون طلب تحقق من الهوية الرقمية يوميا عبر منصة "نفاذ"، و279 مليون عملية إجرائية من خلال منصة "شموس". وهذه الأخيرة تسهم في توفير الخدمات اللازمة والمتقدمة للعملاء المتعاملين مع منشآت القطاع الخاص. فضلا عن توفير بيانات موحدة للجهات المستفيدة من القطاعات الحكومية.
الإنجازات في هذا الجانب لن تتوقف، بل تأخذ أشكالا داعمة للوصول إلى مرحلة "التمكين" التي لم تعد بعيدة في ساحة محلية وضعت الخدمات الرقمية بأنواعها، وبروابطها المؤسساتية والفردية، على رأس أولويات التحول.
وهذا الأخير تم استكماله بالفعل في القطاعات المطروحة كلها ضمن "رؤية المملكة 2030"، والمسيرة تمضي لتحقيق كل هذه المستهدفات التي تمثل في النهاية الآلية التاريخية الأهم في إعادة البناء في السعودية.
قطاع الذكاء الاصطناعي عموما، بات جزءا مهما وأساسيا من هذه العملية بعد أن تم إنشاء "سدايا"، التي أسهمت في الإنجازات كلها المشار إليها، فضلا عن قيامها بمهمة أساسية تتعلق بنشر الثقافة الخاصة في التعاطي مع الخدمات الرقمية عموما، ولا سيما على صعيد الأفراد. إن المسألة لا تتعلق فقط بالتقنيات، بل بمفهوم المستفيدين المباشرين لهذه التقنيات والتعاطي معها بما يضمن عوائد عالية الجودة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي