لماذا تقاعست الصين عن إنقاذ اقتصادها؟ «2 من 2»
بقدر ما يوضح خطاب يي جانج طرق التفكير الحالية وأنماط السياسات المتغيرة بين كبار صناع السياسات في الصين، فإنه يساعد على تفسير السبب الذي جعل اقتصاد الصين أقل تقلبا في الأعوام الأخيرة.
مع تقليص السياسات المعاكسة للدولة، تمكنت الصين من الحفاظ على النمو حتى في غياب زيادة الطلب. وقد يتماشى هذا مع خطة التنمية الحكومية، التي تسعى إلى تقليل التكاليف الضخمة المرتبطة بتحقيق نمو غير متوازن، مثل التراكم السريع للأخطار المالية قصيرة الأجل.
الواقع أن ابتعاد الصين عن سياسة الاقتصاد الكلي العدوانية قد يكون راجعا إلى إدراك قياداتها للتهديد الذي تفرضه البلاد بعد أن بلغت عتبة حرجة من الأخطار المالية الجاهزية قبل بضعة أعوام.
ونظرا لطبيعة النظام السياسي الصيني، فإن مثل هذه الأخطار قد تعد أنها تشكل تهديدا غير مسبوق للاستقرار الاجتماعي والسياسي.
نتيجة لهذا، أطلقت الصين جهودا شاملة "لإزالة الأخطار" في 2016. وتبني صناع السياسات إزالة الأخطار كمبدأ توجيهي، فتحولوا من سياسات الاقتصاد الكلي العدوانية إلى نهج أكثر حذرا.
لتخفيف الأخطار ومعالجة الإفراط في تغليب الطابع المالي على الاقتصاد الحقيقي، أطلقت الصين موجة من تقليص المديونية والتدخلات المالية الموجهة، فشنت حملة صارمة على صناعة إدارة الأصول وأطلقت شرارة التصحيح في القطاعين المالي والعقاري اللذين يعتمدان بشدة على الاستدانة.
تنبع الأخطار والشكوك على نحو متزايد من ضغوط خارجية أيضا. قبل عقدين من الزمن، عندما كان الاقتصاد الصيني صغيرا نسبيا وكان سعر الصرف ثابتا، كانت سياساته معزولة إلى حد كبير عن التأثيرات الخارجية. لكن الاقتصاد الصيني أصبح ضخما للغاية وتغيرت علاقاته باقتصادات العالم جذريا، الأمر الذي دفع الصين إلى تبني نهج أكثر حذرا في الاستجابة لعدم اليقين. على سبيل المثال، يتعين على بنك الشعب الصيني الآن أن يراقب عن كثب التحولات في الفارق في أسعار الفائدة بين الولايات المتحدة والصين وتقييم التأثير المحتمل في أسواق رأس المال في الصين وسعر صرف الرنمينبي.
مع ذلك، لا ينبغي لابتعاد الصين عن سياسة الاقتصاد الكلي العدوانية أن يكون مفاجئا. فربما أثبتت سياسات إزالة الأخطار فاعليتها في منع اندلاع أزمة مالية أو أزمة ديون، لكن الجائحة وما ترتب عليها من سياسات كوفيد - 19 أعاقت قدرة الاقتصاد على العودة إلى التوازن والتعافي، ما أدى إلى مزيد من انخفاض الطلب.
تشكل إعادة الطلب الكلي إلى مستويات ما قبل الجائحة أهمية بالغة للتعجيل بالتعافي الاقتصادي في الصين. ولتحقيق هذه الغاية، من الممكن أن تكون السياسات المالية والنقدية في الصين أكثر استباقية، خاصة أن سياسات إزالة الأخطار ظلت قائمة فترة طويلة. وبينما يواجه صناع السياسات عملية توازن دقيقة، يساعد الخطر المتزايد المتمثل في الانكماش على تسليط الضوء بضرورة إيجاد حلول أكثر فاعلية للتحديات الملحة التي تواجه الاقتصاد الصيني.
لكن ربما لا يزال بوسع الصين أن تبذل مزيدا من الجهد لإعادة التوازن إلى اقتصادها. فمن خلال الالتزام بتنفيذ الإصلاحات البنيوية، وإزالة الحواجز التي تحول دون الدخول، وفتح قطاعات مغلقة حاليا أمام المنافسة الأجنبية، مثل: التعليم، والتدريب، والاستشارات، والرعاية الصحية، تستطيع الصين إيجاد فرص عديدة في السوق لمصلحة القطاع الخاص، والاقتراب بدرجة أكبر من تحقيق الاستقرار الاقتصادي طويل الأمد.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.