البيئة وتقنيات الاستشعار الذكية «2 من 2»

الحفاظ على البيئة والاهتمام بها أصبح موضوعا مهما في جميع أنحاء دول العالم بسبب تأثرها بكثير من النشاطات البشرية، ومن ذلك الاستخدام المفرط للموارد الطبيعية الذي يؤدي إلى استنزافها، واستهلاك النفط والمياه والمعادن بشكل غير مقنن قد يؤدي إلى نضوب هذه الموارد، ومن ذلك أيضا التخلص غير الصحيح وغير المتقن للنفايات الذي يعد من أهم الأمور المسببة لتلوث البيئة وتلوث المياه. وتحدثت في المقال السابق عن أن الاستخدام السيئ لهذه الموارد أدى إلى ظهور كثير من التحديات والأخطار والكوراث، وأثر بشكل سلبي في البيئة والاقتصاد عموما، وأنه من أجل الحفاظ على البيئة واستدامتها، يتعين على العالم العمل وبشكل تكاملي على اتخاذ إجراءات مستدامة، مثل تقليل استهلاك الموارد، وإعادة التدوير بشكل صحيح، وتقليل الانبعاثات الضارة وتعزيز الوعي بالقضايا البيئية وغيرها، وعد هذه الإجراءات أساسية لضمان استمرارية البيئة والمحافظة عليها. وتطرقت إلى الدور الكبير لتقنيات الاستشعار الذكية كأحد الحلول المبتكرة للتصدي لمثل هذه التحديات. واستكمالا لذلك، سأتحدث عن الدور السعودي وإسهامه في هذا المجال، وما حققه من إنجازات كان لها الأثر الإيجابي في رفع جودة الحياة البيئية والاقتصادية.
في السعودية هناك جهود كبيرة تبذل من شأن حماية البيئة، شملتها برامج ومبادرات رؤية 2030 التي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة، وتشمل التزاما بتحسين البيئة والمحافظة على مواردها الطبيعية واستدامتها، وعمل عديد من الإجراءات والمبادرات والبرامج التي تهدف إلى تعزيز ذلك، من ذلك إجراءات لحماية البيئة البحرية في البحر الأحمر والبحر العربي، وكثير من الأعمال في سبيل حماية الحياة البرية والنباتية النادرة عن طريق إنشاء محميات طبيعية برية وبحرية، ذات تنوع أحيائي وجيولوجي ومناخي خصصت لحفظ الموارد الفطرية، وإعادة توطينها، إضافة إلى إنشاء سبع محميات ملكية، تضم هذه المحميات مجموعة متنوعة من النباتات والحيوانات البرية، وإصدار عديد من التشريعات البيئية، بما في ذلك نظام حماية البيئة ومكافحة التلوث، ونظام الرقابة على الالتزام بالمعايير البيئية، وعملت على نشر الوعي البيئي بين أفراد المجتمع، من خلال الحملات التوعوية والتعليمية. ومن البرامج، برنامج السعودية الخضراء، الذي يهدف إلى زراعة عشرة مليارات شجرة في المملكة، وزيادة نسبة الغطاء النباتي إلى 40 في المائة بحلول 2050، وبرنامج كفاءة الطاقة الذي يهدف إلى ترشيد استهلاك الطاقة في المملكة بنسبة 30 في المائة بحلول 2030، وبرنامج إدارة النفايات، الذي يهدف إلى تقليل إنتاج النفايات وزيادة إعادة تدويرها والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن تلك النفايات، وتحويلها إلى طاقة.
نتجية لهذه الجهود في مجال حماية البيئة، حققت السعودية عديدا من الإنجازات في هذا المجال، حسب التقارير والمؤشرات الدولية التي يرصدها ويتابعها المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة، التي تشير إلى مراكزها المتقدمة في مؤشرات البيئة العالمية، من ذلك على سبيل المثال، احتلالها المركز الأول في مؤشر "عدم فقدان الغطاء الشجري"، وفي مؤشر "الأرض الرطبة"، وفي مؤشر "الغابات والأرض والتربة" على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وخلال العقد الماضي، انخفضت نسبة التلوث في الهواء والماء والتربة 15 في المائة، كما زادت نسبة مساحة الغابات 25 في المائة، وتتواصل هذه الجهود من خلال الدور الحيوي والمسؤول، الذي تلعبه وزارة البيئة والمياه والزراعة، في حماية البيئة والموارد الطبيعية في جميع المناطق، حيث تتبع الوزارة استراتيجية شاملة للحفاظ على البيئة وتنميتها، وتضمن تنفيذ السياسات والبرامج التي تهدف إلى تحسين جودة البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية، من خلال عدة مبادرات، منها: مبادرات التحول الرقمي لمنظومة البيئة، وإنشاء عديد من المراكز البيئية، وتشجيعها على البحث والتطوير في مجال حماية البيئة واستدامتها، وتعزيز الابتكار في التقنيات البيئية وأنظمة الذكاء الاصطناعي، من خلال مركز الأبحاث والتطوير "استدامة"، وغيره من المراكز البحثية، وتوقيعها عديدا من الاتفاقيات التعاونية الدولية والمحلية، مثل تلك مع هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية، والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا"، ومنصة جوجل كلاود للحوسبة السحابية وغيرها. كما أنها تقوم بجهود كبيرة لاستخدام التقنيات الذكية لتعزيز حماية البيئة وتحسين إدارتها بشكل فاعل، من هذه التقنيات، أجهزة الاستشعار البيئي وأنظمة المراقبة البيئية المتقدمة لرصد جودة الهواء وجودة المياه وتلوث البيئة بشكل دقيق وفاعل، هذه البيانات تساعد على اتخاذ قرارات أفضل للحفاظ على البيئة. كما يتم استخدام عمليات التحليل البياني والذكاء الاصطناعي لمعالجة وتحليل البيانات البيئية بشكل أسرع وأكثر دقة، وهذا يساعد على اكتشاف الاتجاهات والمشكلات البيئية وتوجيه الجهود بفاعلية أكبر، كما يتم استخدام تقنيات ونظم المعلومات الجغرافية لإنشاء خرائط تفاعلية وقواعد بيانات مكملة لفهم أفضل للبيئة وتحليل جميع ما يقد يؤثر في البيئة ومواردها الطبيعية، كما يتم استخدام أيضا التقنيات الذكية في مراقبة مصادر التلوث، مثل المصانع والمرافق الصناعية، وتطبيق القوانين واللوائح بشكل فاعل للحد من التلوث، كما يتم توفير التقنيات الذكية كوسائل للإبلاغ عن انتهاكات البيئة ومخالفات القوانين بسهولة وفاعلية، ولا شك أن استخدام التقنيات الذكية ومواصلة وتعزيز الجهود في ذلك من خلال استقطاب الخبراء المختصين في هذه التقنيات لإيجاد حلول ابتكارية نوعية، سيسهم بشكل أكثر فاعلية واستدامة في حماية البيئة والمحافظة عليها، ويؤدي إلى تحقيق أهداف تنموية اقتصادية مستدامة، والحفاظ على جودة البيئة في المملكة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي