الآفاق العالمية .. اقتصاد صلب في مواجهة التحديات «1 من 4»

لنبدأ بالحديث عن مؤشرات الآفاق الاقتصادية. فقد أثبت الاقتصاد العالمي صلابة ملحوظة، وجاء النصف الأول من 2023 حاملا معه بعض الأنباء السارة، وهو ما يعزى أساسا إلى الطلب القوي على الخدمات الذي فاق التوقعات، والتقدم الملموس في الحرب على التضخم. وباتت فرصة الاقتصاد العالمي أكبر في تحقيق هبوط هادئ، وإن كان يتعين علينا الاستمرار في توخي الحذر.
فلا يزال التعافي من الصدمات التي شهدتها الأعوام القليلة الماضية مستمرا، لكنه تعاف بطيء وغير متوازن. وكما سيتضح لكم من تنبؤاتنا المحدثة التي تصدر الأسبوع المقبل، تظل الوتيرة الحالية للنمو العالمي ضعيفة للغاية، حيث سجلت تراجعا كبيرا عن متوسطها البالغ 3.8 في المائة خلال العقدين السابقين على الجائحة. وتشهد توقعات النمو مزيدا من الانخفاض مستقبلا على المدى المتوسط.
غير أننا نشهد فروقا صارخة في ديناميكيات النمو، حيث يتزايد الزخم القادم من الولايات المتحدة، وتبرز نقاط مضيئة في الهند، وعدة اقتصادات صاعدة أخرى، بما في ذلك كوت ديفوار. لكن التباطؤ يسود معظم الاقتصادات المتقدمة، ويتراجع النشاط الاقتصادي في الصين إلى ما دون المتوقع، ويبدو النمو هزيلا عبر عديد من الدول، ويهدد التشرذم الاقتصادي بمزيد من التراجع في آفاق النمو، ولا سيما في الاقتصادات الصاعدة والنامية، بما في ذلك هنا في إفريقيا.
يؤدي ذلك إلى اتساع فجوة التباعد في حجم الثروات الاقتصادية بين مختلف مجموعات الدول وداخلها. ويعزى ذلك جزئيا إلى "الآثار الاقتصادية الغائرة". فحسب تقديراتنا، تبلغ خسائر الناتج العالمي التراكمية إثر الصدمات المتتالية منذ 2020م، 3.7 تريليون دولار حتى 2023.
تتوزع هذه الخسائر على نحو غير متكافئ عبر الدول، فلم نشهد عودة الناتج إلى مسار ما قبل الجائحة سوى في الولايات المتحدة دون غيرها من الاقتصادات الكبرى. ولا يزال باقي العالم دون مستوى الاتجاه العام، كما يقع على الدول منخفضة الدخل الضرر الأكبر على الإطلاق، لماذا؟ يكمن السبب في قدرتها المحدودة للغاية على وقاية اقتصاداتها ودعم أكثر الفئات ضعفا.
يعزى التباعد أيضا إلى الفروق في الحيز المتاح أمام السياسات والأساسيات الاقتصادية الكلية، ومدى الاعتماد على واردات الوقود والغذاء، وفي نصيب السلع مقابل نصيب الخدمات في الاقتصاد، ودور التجارة، وزخم الإصلاحات، ووتيرة الحرب على التضخم، وجميعها عوامل مؤثرة في اختيار السياسات في الدول وأدائها الاقتصادي. ويؤدي ذلك بدوره إلى مزيد من الاختلافات بين توجهات الدول.
حول سياسات من أجل نمو أكثر قوة في المستقبل، ففي ظل هذه الاتجاهات المتباعدة، يضطلع الصندوق بدور مهم في مساعدة الدول على تحديد خيارات السياسات الملائمة وتبني استراتيجيات ناجحة لتحقيق النمو. وتبرز ثلاث سياسات ذات أولوية في هذا الصدد.
أولا، تعزيز الاستقرار الاقتصادي والمالي.
تأتي مكافحة التضخم على رأس الأولويات. وبفضل التحركات الحاسمة للبنوك المركزية وسياسات المالية العامة المسؤولة، يتراجع التضخم في معظم الدول، لكنه سيظل متجاوزا مستوياته المستهدفة على الأرجح، حتى 2025 في بعض الدول. ويؤدي ارتفاع التضخم إلى تقويض ثقة المستهلكين والمستثمرين، وتآكل أسس النمو، لكن ضرره الأكبر يقع على كاهل الفئات الأكثر فقرا في المجتمع.
يقتضي الفوز في الحرب على التضخم، الاستمرار في رفع أسعار الفائدة لفترة أطول. من الضروري تجنب تيسير السياسات قبل الأوان، في ظل خطر تجدد النوبات التضخمية. ويشير تحليل جديد صادر عن صندوق النقد الدولي، إلى تزايد أهمية توقعات التضخم، باعتبارها أحد المحركات وراء ارتفاع الأسعار. وعلى صناع السياسات الإعلان عن أهدافهم بوضوح، للمساعدة على تشكيل رؤية المواطنين للتضخم... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي