الآفاق العالمية .. اقتصاد صلب في مواجهة التحديات «3 من 4»

للحديث عن حماية الاستقرار المالي. فقد أسهمت التوقعات بشأن "الهبوط الاقتصادي الهادئ" في رفع أسعار مختلف فئات الأصول. لكن التحول السريع في هذه التوقعات -في حال الارتفاع المفاجئ في معدلات التضخم مجددا- قد يؤدي إلى تشديد حاد في الأوضاع المالية، ما قد يلحق ضررا بالغا بالأسواق والاقتصادات.
ويفرض ضيق أوضاع الائتمان ضغوطا بالفعل على عديد من المقترضين، مثل شركات العقارات التجارية في الولايات المتحدة وأوروبا. ومن دواعي القلق في الصين استمرار الضغوط في قطاع العقارات، وارتفاع مستويات الرفع المالي في بعض أجزاء القطاع غير المصرفي.
تواجه البنوك ضغوطا بدورها، كما ستقرأون على صفحات تقرير الاستقرار المالي العالمي الذي سيصدر قريبا، كذلك نواجه حاليا مخاطر جسيمة على جانب المالية العامة. وفي سبيل التأهب لصدمات الغد وتنفيذ الاستثمارات الحيوية، يتعين على الدول إعادة بناء الحيز اللازم في ميزانياتها لضمان حرية التصرف. وفي معظم الأحوال، يعني ذلك تشديد سياسة المالية العامة، التي من شأنها أن تدعم السياسة النقدية أيضا حيثما لا تزال الضغوط التضخمية قوية.
إن مكامن الخطر كثيرة، فالصدمات التي تلقيناها خلال الأعوام القليلة الماضية تسببت في زيادة أعباء الدين عبر عديد من الدول، بما في ذلك في إفريقيا. وأدى ذلك إلى تقلص أو نفاد الحيز المالي المتبقي -إلى جانب تزايد تكلفة خدمة الدين- ليضع عديدا من الحكومات أمام قرارات صعبة. ويعني ذلك تحديد أولويات الإنفاق وإعلان خطط مالية عامة واضحة على المدى المتوسط لبناء المصداقية وخفض مستويات الدين.
تعكف بعض الدول في إفريقيا على إصلاح دعم الطاقة لإتاحة الحيز اللازم للإنفاق التنموي. فقد نجحت نيجيريا على سبيل المثال في إلغاء دعم الوقود أخيرا الذي بلغت تكلفته نحو عشرة مليارات دولار العام الماضي، أي ما يعادل أربعة أضعاف ما تنفقه على قطاع الصحة.
عديد من الدول في حاجة أيضا إلى توليد إيرادات محلية أكبر وأكثر موثوقية. وهذا هو أحد المجالات التي قدم فيها الصندوق الدعم إلى نحو 150 دولة عضوا خلال العامين الماضيين فقط، حيث ساعد على تحسين تصميم الضرائب وإدارتها وتعزيز المؤسسات الضريبية ذات الصلة وتطوير أسواق رأس المال المحلية. وقد أثبتت دول عدة، مثل موزمبيق ونيبال ورواندا، إمكانية تحقيق زيادات ملموسة في الإيرادات. ويقودني ذلك إلى الأولوية الثانية، ألا وهي إرساء الأسس اللازمة لنمو مستدام يحتوي الجميع، من خلال إصلاحات تحولية وبناء مؤسسات عامة قوية.
إن التاريخ يعلمنا أن الدول الفقيرة تصبح غنية بتعليم المواطنين، وإنشاء بنية تحتية جيدة، وضمان فاعلية الحوكمة مع احترام سيادة القانون. وهذه العناصر ليست ثابتة، فالمهارات المطلوبة تتغير، والبنية التحتية اليوم تتضمن الربط الرقمي وقنوات التجارة الحديثة، والمؤسسات آخذة في التطور. وفي الوقت نفسه، تظل هذه هي الركائز الثلاث للنمو والرخاء في جميع الدول، خاصة حيث تكون الحاجة إلى توفير فرص عمل للكتلة السكانية سريعة النمو أشد إلحاحا.
وهنا لا بد أن أتناول هذه الركائز الثلاث بالتفصيل.
أولا، وقبل كل شيء، الحاجة إلى الاستثمار في البشر. في إفريقيا، يعني ذلك التوسع في التعليم عالي الجودة على جميع المستويات، حتى يتمكن الشباب من اغتنام فرص العمل في الغد، كما يعني تكثيف الاستثمار في الرعاية الصحية. وهنا تحديدا، في كوت ديفوار، تعمل الحكومة على تكثيف استثماراتها في الشباب وتتخذ التدابير لزيادة تنويع نشاطها الاقتصادي.
ثانيا، الحاجة إلى معالجة فجوات البنية التحتية، القديمة والجديدة. ويعني ذلك بالتأكيد البنية التحتية المادية الأساسية، كما هي حال الجسور الجديدة هنا في أبيدجان. لكن كذلك، شبكات الطرق التي تشتد الحاجة إليها في المناطق الريفية، والتوسع في تغطية الكهرباء وغيرها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي