غليان اقتصاد أمريكا وارتفاع الحرارة «1 من 2»

يقال إنك إذا وضعت ضفدعا في ماء مغلي، فإنه يقفز خارج الماء على الفور لكن إذا وضعته في ماء بارد وقمت برفع درجة الحرارة تدريجيا، فإنه لا يستجيب وفي نهاية المطاف يغلي حتى الموت علما أنه من الممكن أن يحدث شيء مماثل للاقتصادات.
عند تسارع التضخم، فإن عامة الناس يطالبون القادة بكبح جماح الأسعار من خلال تطبيق سياسات أكثر صرامة فيما يتعلق بالاقتصاد الكلي، لكن إذا بدأت السلطات في التدخل بالصناعات المختلفة من خلال تعريفات جمركية مصممة لأغراض محددة ومراقبة الأسعار وإعانات الدعم والضرائب والقواعد التنظيمية، فلن يكون هناك رد فعل شعبي مماثل، وبالتالي يسمح للتدخلات بالاستمرار في إيجاد حالة من انعدام الكفاءة وتقويض النمو.
إن كل من التضخم والتدخلات المصممة لأغراض محددة ـ التي يشار إليها أحيانا بالسياسة الصناعية ـ يسهمان في تشويه الاقتصاد، ما يؤدي إلى انخفاض النمو الاقتصادي، لكن التضخم يؤدي إلى استجابة سريعة، وهي ظاهرة تشمل الاقتصاد بأكمله وتكتسب زخما مع سعي مجموعة تلو الأخرى إلى استعادة عوائدها الحقيقية أو زيادتها، ولكن عند نقطة معينة، يبدأ الناس في الاعتراض وعندئذ ومع ارتفاع معدل التضخم تشتد الضغوط على صناع السياسات لحملهم على خفضه وبمجرد تراجع التضخم، يمكن استئناف النمو.
على النقيض من ذلك، فإن تأثير التعريفات الجمركية المستهدفة والتدابير الخاصة بالصناعة في أي وقت أو في أي قطاع من قطاعات الاقتصاد عادة ما تكون محدودة نسبيا على الرغم من أنها تسهم في الضغوط التضخمية، وتحد من مرونة الاقتصاد، وتضعف النمو، فإنها عادة لا تثير الانتباه كما هي الحال عند ارتفاع التضخم، لذا فمن غير المرجح أن يرفضها عامة الناس. علاوة على ذلك، فإن احتمال خفض التعريفة الجمركية أو إلغاء الدعم عادة ما يقابل بمقاومة قوية من جانب الصناعة المتضررة.
لذا، ففي حين يشكل كبح جماح التضخم ضرورة سياسية، فإن وقف التدابير التشويهية المصممة لأغراض محددة يعد أمرا صعبا من الناحية السياسية.
تعكس الولايات المتحدة اليوم هذه الديناميكية حيث أعربت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عن استيائها من الضغوط التضخمية ودعمت الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في جهوده الرامية إلى كبح زيادات الأسعار، لكنها عملت أيضا على زيادة الإنفاق الحكومي بشكل كبير وذلك من خلال قانون خفض التضخم كما أدخلت أو أبقت على أحكام تنظيمية واسعة النطاق خاصة بالصناعة وأغلبها تضخمية.
ربما بلغ التضخم ذروته في الولايات المتحدة، لكن التدخلات المصممة لأغراض محددة لا تزال تتمتع بقدر كبير من الزخم. لقد أدت التعريفات الجمركية التي فرضها دونالد ترمب على واردات الفولاذ والألمنيوم ـ التي لم يقم بايدن بإلغائها ـ إلى أكبر ارتفاع في تكاليف الفولاذ في العالم، وهذا يعني أن تكاليف الإنتاج آخذة في الارتفاع في أي صناعة تعتمد على كميات كبيرة من الفولاذ ـ مثل شركات تصنيع السيارات، وفي الوقت نفسه، يتلقى منتجو السيارات الكهربائية الأمريكيون إعانات الدعم والإعفاءات الضريبية.
تفرض إدارة بايدن أيضا تعريفات جمركية على واردات الألواح الشمسية على الرغم من اهتمامها بالبيئة. لقد أدخلت إدارة بايدن إعانات دعم كبيرة وحوافز أخرى للاستثمار في أشباه الموصلات والبطاريات كما وضعت حدا أقصى لأسعار بعض الأدوية التي يتم وصفها طبيا مثل الأنسولين لمرضى برنامج ميديكير من كبار السن، مع تحديد سقف أسعار لمزيد من الأدوية كل عام وقامت أيضا بفرض متطلب يقضي بأن تتفاوض الحكومة على أسعار بعض الأدوية ـ وهي التدابير التي من الممكن أن تؤدي إلى نقص الأدوية، إضافة إلى إعاقة تطوير الأدوية الجنسية الرخيصة... يتبع.

خاص بـ "الاقتصادية"بروجيكت سنديكت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي