الغمز في الظلام
العنوان ليس من عندي بل هو للمثقف والوزير والاستثنائي - كما يسمونه ويطلقون عليه - غازي القصيبي رحمه الله قاله في سياق لقاء متلفز للحديث عن أن المتصدر للوظائف والمناصب العامة يهمه أن يكون ظاهرا ومؤثرا بما يعكس ما تحتم عليه مهامه، وأن البحث وراء الظهور الإعلامي والبروز ليس عيبا بل أحيانا من الواجب فعل ذلك، كما أشار الملياردير وارن بافيت إلى أن الطريقة الوحيدة السهلة لزيادة الثروة هي "تعلم كيفية الكتابة والتحدث بوضوح" إذا لم تستطع التواصل. وقال: فهذا يشبه الغمز في وجه فتاة في الظلام، لا شيء يحدث يمكنك من امتلاك كل القدرات العقلية في العالم، ولكن عليك أن تكون قادرا على نقلها.
السيئ في الظهور عندما يكون لمن هو أجوف تسمع منه جعجعة ولا ترى طحينا وكثير ما هم! إن المتصدر للمشهد الذي يملأ مكانه وتشهد خبراته ومهاراته وعطاؤه يحق له الظهور بل ويجب عليه التواصل والاتصال في مهنته وتخصصه، لأنه لو غاب هو وأمثاله عن المشهد لاحتله الكذابون والمدعون وبائعو الوهم والذين يتزعمون المشهد حاليا مع الأسف.
إن حب الظهور ليس منقصة ومع شبكات التواصل الاجتماعي أصبح البحث عنه وعن الشهرة مطلب، ولكنه يكون مطبا حينما تبنى الشهرة على أساس بال أو تافه، ومن أتفه الأمور التي تشاهدها في منصات التواصل الآمن أن معظم المشاهير كان سبب ظهورهم تافها لدرجة أنك تستغرب كيف حدث هذا أو لماذا وبعده ألف علامة استفهام.
سألت طبيبا متخصصا في السمنة وله باع في هذا المجال وخبرات واسعة وحاصل على زمالات من جامعات عالمية عريقة عن سبب إحجامه وأصدقائه المتخصصين عن الظهور في منصات التواصل، وتولي زمام التثقيف والتوعية بدلا من ظهور أشخاص لا يملكون من التخصص إلا بذلة وسماعة. قال لي إنه لا يملك الوقت الكافي لذلك وإذا تسنى له وقت فهو يصرفه لأسرته وأبنائه.
حقا بأن الصادقين والشغوفين مشغولون بأنفسهم وهذا طبيعي، لكن إن خلت خربت ويتعين على الجهات ذات العلاقة أن تشارك في صناعة المحتوى الموثوق لتقطع الطريق عن مرتزقة المحتوى الذين لا ناقة لهم في العلم ولا جمل، والمصيبة حينما يجرون خلفهم حشودا من المتابعين المصدقين لما يقولون والمتفاعلين مع كل ما يبثون، وأتمنى أن تجد رسالتنا آذانا ولا تكون كالغمز في الظلام.. والسلام.