كيف تصنع الصين سوقها الخاصة؟ «2 من 2»

كان الإنفاق الحكومي يميل لفترة طويلة نحو تطوير البنية الأساسية الفعلية، وتكوين رأس المال مع تخصيص أموال محدودة فقط لدعم الأسر أو توسيع برامج الرعاية الاجتماعية، ولهذا السبب تحافظ الأسر الصينية على مستويات عالية من المدخرات على سبيل الاحتياط.
من أجل تسهيل التداول المحلي القوي، يتعين على الصين أن تتحول بعيدا عن نموذجها الذي يركز على التصدير، وأن تركز على ترويج الواردات، ونظرا إلى أن الصين تعد لاعبا عالميا رئيسا، فإن من المهم جدا أن تحافظ على الحياد الاستراتيجي في أثناء تحولها لمثل هذا النموذج، وهو الأمر الذي يتطلب التطوير المستمر للسوق المحلية الضخمة.
على الرغم من أن ترويج الواردات يشكل خطوة تالية طبيعية لأي دولة حققت نجاحا مبكرا من خلال ترويج الصادرات، فإنه يشكل أهمية بالغة بشكل خاص بالنسبة إلى الاقتصادات الكبيرة. إن من ركائز هذا التحول الاعتراف بأن الاقتصاد لا يستطيع الاعتماد إلى ما لا نهاية على الصادرات لتعزيز النمو وتحسين مستويات المعيشة، علما أنه من خلال تبني استراتيجية تركز على الاستيراد، تستطيع الصين معالجة اختلالات التوازن التجاري التي طال أمدها وتعديل آليات التدخل التي أثرت تاريخيا في أسعار الصرف وأسعار الفائدة وتشكل الأجور. إن التوفيق بين نمو الأجور والناتج المحلي الإجمالي الاسمي من شأنه أن يعزز دخل الأسر ويحفز التوسع السريع في قطاع الخدمات في الصين، الذي كان مقيدا في السابق بسبب النهج القائم على التصدير الذي تبنته السلطات.
علاوة على ذلك، تستطيع الصين أن تخفض أسعار السلع الاستهلاكية المستوردة، وزيادة إنفاق الأسر بشكل كبير، وذلك بتشجيعها الواردات من خلال رفع قيمة العملة وخفض التعريفات الجمركية. إن رفع أسعار الفائدة الحقيقية من شأنه أن يمنع سوء تخصيص رأس المال، ويقلل حصة الاستثمار في الناتج المحلي الإجمالي ويمكن الاقتصاد من إعادة التوازن إلى الطلب الكلي، والأهم من ذلك كله، فإنه من خلال تمكين الحكومة من كسر حلقة الاستثمار والديون الثقيلة، فإن هذا التحول من شأنه أن يحرر مزيدا من موارد الميزانية لتلبية احتياجات المواطنين ويقلل العبء الثقيل على الأسر التي تكافح من أجل دفع تكاليف الرعاية الصحية ورعاية الأطفال والتعليم مع الادخار للتقاعد.
إن تشجيع الواردات هو مفتاح تحقيق إمكانات الطلب الاستهلاكي المحلي في الصين. وعلى النقيض من إحلال الواردات، فإن هذه الاستراتيجية لا تخنق القطاع القابل للتداول، بل على العكس من ذلك، فإن توسيع السوق المحلية، وتعزيز التداول الداخلي، من شأنه أن يمكن الشركات الصينية من التركيز على الإبداع التكنولوجي، وتطوير المهارات الفنية والمعرفة اللازمة لتصدير منتجات أكثر تعقيدا وذات قيمة مضافة عالية.
إن هناك جانبا تحذيريا في التجارب السابقة لليابان وكوريا الجنوبية، ففي حين دفعت اليابان ثمنا باهظا لتأخير تعديلها الاستراتيجي، فإنه تم تعزيز التنمية الاقتصادية السريعة في كوريا الجنوبية في الفترة من 1987 إلى 1996 بفضل تعديلات السياسات التي نجحت في التوفيق بين الأجور ونمو الإنتاجية، وبالتالي تعزيز الاستهلاك المحلي. لكن كوريا الجنوبية فشلت في البناء على هذا الزخم قبل أن تؤدي موجة من التحرير المالي إلى تغيير مسارها الاقتصادي، ومن خلال التعلم من الدروس المستفادة من اقتصادات شرق آسيا الأخرى، تستطيع الصين أن تتجنب مصيرا مماثلا، وأن تعيد التوازن إلى اقتصادها وتحقق النمو المستدام.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي