توقعات لم تتحقق .. ذروة الإمدادات والطلب على النفط

فكرة "ذروة إنتاج النفط" قد تبلورت في العقد الثامن من القرن الـ19 نتيجة لوقف الإنتاج من آبار النفط في ولاية بنسيلفانيا الأمريكية. لكن ما يلفت الانتباه هو أن إنتاج النفط العالمي استمر في النمو خلال العقود السبعة التي تلتها حتى عندما اكتسبت نظرية "ذروة النفط" لعالم الجيولوجيا ماريون كينج هوبرت شهرة في 1956. تنبأ حينها الجيولوجي هوبرت أن إنتاج النفط سيصل إلى ذروته في 2000 وسيكون قد بلغ نحو 34 مليون برميل يوميا. ولكن الإنتاج العالمي للنفط وصل إلى هذا الحد في 1967 وتعدى حاجز 65 مليون برميل يوميا بحلول القرن الجديد.
إنه على الرغم من تعدد التوقعات بالبلوغ إلى ذروة الإنتاج النفطي على ممر التاريخ، فإن جميع هذه التوقعات لم تكن دقيقة وتمت مراجعتها ومراجعة الحد الأقصى للإنتاج مرارا. لذا في 2024، ستستمر إمدادات النفط في التوسع، مدفوعة بتحسن الاقتصاد والتقدم المستمر في التكنولوجيا التي ساعدت على خفض التكاليف وفتح حدود جديدة وإضافة احتياطيات جديدة. علاوة على ذلك، لا توجد مخاوف بشأن قاعدة الموارد المتاحة، التي تعد كبيرة بالقدر الكافي لهذا القرن وما بعده.
إن النقاش في وقتنا الحالي يتركز حول ذروة الطلب على النفط، وليس حول ذروة إنتاجه، وإن هذا التغير هو نتيجة لسياسات نظرية عدة تهدف إلى إقصاء النفط من الخليط المستقبلي للطاقة حول العالم متناسيين الدور الفعال الذي من الممكن أن تقوم به التكنولوجيا من أجل خفض الانبعاثات.
كما أن مستويات الطلب على النفط اليوم تعدت تلك التي كانت عليها قبل جائحة كوفيد - 19، حيث أشار بعض المتنبئين في بداية الوباء إلى أن مستويات الطلب على النفط لن تتجاوز أبدا تلك التي شوهدت في 2019.
وفي 2023، فإن وكالة الطاقة الدولية شهدت ذروة الطلب العالمي على النفط قبل نهاية هذا العقد ودعت إلى وقف الاستثمارات النفطية الجديدة. كان هذا رغم أن وكالة الطاقة الدولية قبل بضعة أعوام فقط سلطت الضوء على أن العالم سيظل بحاجة إلى النفط لأعوام مقبلة وشددت على أهمية الاستثمار في هذا القطاع. واليوم، من الواضح أن ذروة الطلب على النفط لا تظهر في أي توقعات موثوقة وقوية على المدى القصير والمتوسط.
لنأخذ عامي 2023 و2024 على سبيل المثال في "أوبك"، نرى نموا في الطلب على النفط بمقدار 4.7 مليون برميل يوميا على مدار العامين وفي إيساي "بمقدار" أكثر من أربعة ملايين برميل يوميا أيضا، كما أن "ريستاد" و"أرجوس" قريبان من هذا المستوى. وحتى وكالة الطاقة الدولية تتوقع نموا قدره 3.4 مليون برميل يوميا خلال الفترة 2020 ـ 2023 ونظرا لتوجهات النمو هذه، فمن الصعب أن نشهد ذروة الطلب على النفط بحلول نهاية العقد، أي على بعد ستة أعوام فقط. كما أن تقرير سيتي بنك في 2013، بعنوان نمو الطلب العالمي على النفط - النهاية قريبة، أشار إلى أن نمو الطلب على النفط قد يصل إلى ذروته في وقت أقرب بكثير مما توقعه السوق ومع ذلك، كان الطلب على النفط في 2012 أقل من 90 مليون برميل يوميا، في حين أن الطلب اليوم يزيد على 100 مليون برميل يوميا. وفي توقعات "أوبك" العالمية للنفط لـ2023، نتوقع أن يصل الطلب إلى 116 مليون برميل يوميا بحلول 2045.
رغم كل شيء، يشكل النفط الخام ومشتقاته حضورا مستمرا في حياتنا اليومية، فهو يجلب منتجات يومية حيوية، ويساعد في تحقيق أمن الطاقة والحصول على الطاقة بطريقة متاحة على نطاق واسع وبأسعار معقولة. إضافة إلى ذلك، فإن التحسينات التكنولوجية لا تسمح لنا بإيجاد موارد جديدة فحسب، بل تمكننا من اتخاذ خطوات هائلة في الحد من الانبعاثات، كما يتضح من توافر الوقود النظيف، والكفاءات والتقنيات المحسنة بشكل كبير مثل استخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه، وإزالة ثاني أكسيد الكربون والالتقاط المباشر للهواء. في نهاية المطاف، لم تصل ذروة الإمداد من النفط قط، كما أن التنبؤات بذروة الطلب على النفط تتبع اتجاها مماثلا. مرارا وتكرارا، تحدى النفط التوقعات فيما يتعلق بالذروات. ويشير المنطق والتاريخ إلى أنه سيستمر في القيام بذلك. كل هذا يؤكد ضرورة إدراك أصحاب المصلحة للحاجة إلى استمرار الاستثمار في صناعة النفط، اليوم، وغدا، وبعد عقود عديدة في المستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي