دور الابتكار في التنمية الصناعية المستدامة
يلعب الابتكار دورا كبيرا في تحقيق التنمية الصناعية المستدامة بحيث لا يمكن إغفاله، ويكمن هذا الدور في توجيه الصناعات على مختلف أنواعها نحو الاستدامة على المدى الطويل، من خلال تطوير تقنيات ومنتجات وعمليات صناعية صديقة للبيئة وتقلل من الآثار السلبية، مثل استخدام موارد متجددة، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة والمياه، وتقليل النفايات والانبعاثات، وغير ذلك كثير، مما يسهم في تعزيز الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية، وكذالك في تعزيز القدرة التنافسية للصناعات المحلية وتحقيق النمو الاقتصادي. والمطلع على الاستراتيجية الوطنية للصناعة التي أطلقتها السعودية، يجد أن من أولوياتها تحقيق هدف الوصول إلى اقتصاد صناعي متنوع ومميز وإيجاد بيئة جاذبة للاستثمار، ما يسهم في تنمية الناتج والصادرات المحلية، ويتماشى مع مستهدفات رؤيتها 2030. ولعلي في هذا المقال أتطرق إلى الدور بشكل عام، لتصبح المملكة قوة صناعية تنافسية رائدة عالميا، مصدرة منتجات ذات تقنيات ابتكارية نوعية واعدة.
يعد الابتكار المحرك الرئيس للإنتاج والنمو الاقتصادي، فمن الصعوبة بمكان تبني قطاع فعال متطور بشكل دائم سواء في الصناعة أو غيرها في ظل غياب عنصر الابتكار، ولذا نجد التنافس الدولي في هذا القطاع في تزايد حسبما أوردته المنظمة العالمية للملكية الفكرية اليبو التابعة للأمم المتحدة في كثير من تقاريرها حول تغير المؤشرات العالمية للابتكار بين الدول، كما يتضمن الهدف التاسع من أهداف التنمية المستدامة العالمية 2030 الـ17، "إقامة بنى تحتية قادرة على الصمود، وتعزيز التصنيع المستدام، وتشجيع الابتكار"، ما يؤكد أن التنمية الصناعية المستدامة لا يمكن تحقيقها بدون الابتكار النوعي والتكنولوجيا المتطورة.
والمتأمل في رحلة الصناعة السعودية منذ عهد التأسيس إلى عهد الرؤية، يرى الدعم والأهمية الكبيرة التي أولتها وتوليها القيادة الحكيمة للصناعة بأشكالها كافة، حيث شمل ذلك تطويرها وتوطينها لتشكل حجر الأساس في تنويع مصادر الدخل، وتبنيها في عام 2020 الاستراتيجية الوطنية للصناعة تحت شعار "نحو صناعة منافسة واقتصاد قائم على المعرفة" فهي تركز على 12 قطاعا فرعيا لتنويع الاقتصاد الصناعي بأكثر من 800 فرصة استثمارية بقيمة تريليون ريال سعودي، وبما يحقق عوائد اقتصادية تشمل مضاعفة الناتج المحلي الصناعي بنحو ثلاث مرات، ومضاعفة قيمة الصادرات الصناعية لتصل إلى 557 مليار ريال سعودي، كونها تهدف إلى تنويع القاعدة الصناعية والاقتصادية، بما يضمن استقرارا ونموا متوازنا للمؤشرات الاقتصادية كافة، وكان من نتائج ذلك أن تجاوز عدد المصانع عشرة آلاف مصنع، برأسمال يزيد على 1.345 تريليون ريال سعودي، وتهدف لأن تصل إلى نحو 36 ألف مصنع بحلول 2030، أضف إلى ذلك عديدا من البرامج مثل برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، الذي يهدف إلى تحويل السعودية لقوة صناعية رائدة ومنصة لوجستية دولية في عدد من المجالات الواعدة. وكون الابتكار يعد عنصرا أساسيا في تطوير تقنيات جديدة وتطبيقاتها في الصناعة، لم تغفل القيادة الرشيدة حرصها على ذلك، فأعلنت أخيرا تأسيس شركة "آلات" مختصة بتصنيع منتجات ابتكارية تشمل الصناعات المتقدمة وأشباه الموصلات والأجهزة المنزلية الذكية والصحة الذكية والأجهزة الإلكترونية الذكية والمباني الذكية، تخدم الأسواق المحلية والعالمية. وأرى أن مثل هذه المبادرات في مثل هذه المجالات كالإلكترونيات والتقنيات التكنولوجية الابتكارية المتنوعة ستحقق المنافسة والريادة عالميا، وستعمل على تحسين البنية التحتية اللوجستية وتقديم بيئة أكثر جاذبية للاستثمار، ما يسهم في دفع عجلة التنمية الصناعية الوطنية نحو الأمام وإلى العالمية بشكل كبير.