أرامكو والتوقف في السعة الإنتاجية .. هل يجب أن نقلق؟
ضجت الأسواق الأسبوع الفائت بخبر وقف أرامكو السعودية خططها في التوسع في زيادة السعة الإنتاجية للهدف الذي حددته لنفسها وهو الوصول إلى 13 مليون برميل يوميا بحلول 2027، ما أثار موجة من التكهنات التي اجتاحت الأسواق المحلية والعالمية في محاولة لمعرفة الدوافع التي حركت مثل هذا القرار وما الآثار المستقبلية لأسواق النفط والتبعات على الاقتصاد العالمي،
لقد نزفت أسواق المال السعودية قبل العالمية متأثرة بمخاوف حول قدرة أرامكو السعودية على المضي قدما في استثماراتها وحول صحة وصلابة الطلب المستقبلي على النفط الذي قطعت المملكة فيه شوطا لتنويع مصادر دخلها إلا أنه لا يزال يشكل نسبة أعلى من 55% من إجمالي مصادر الدخل.
الحقيقة أننا إذا أردنا أن نتعمق أكثر حول دوافع هذا القرار فهي وإن بدت مرتبطة بأوضاع أسواق النفط العالمية الحالية إلا أن المحرك الأساسي أبعد من ذلك وهو استراتيجي للشركة والدولة، فخلال العامين الماضين تبين أن أسواق النفط فقدت الحساسية المفرطة والتقلبات الحادة ارتفاعا وهبوطا، فلا التوترات الجيوسياسية ولا التهديدات لمنابع ومسارات حركة ناقلات النفط أصبحت تحدث فارقا كبيرا في أسواق النفط إلا إذا كان هناك تهديد مباشر حقيقي وكبير ينتج عنه نقص حاد في الإنتاج ويشل الاقتصاد العالمي أو جزءا منه ولعل الحرب على غزة التي تدور رحاها في منطقة تعد أهم مصادر النفط والتهديدات التي تعصف بأحد أهم المضائق وهو مضيق باب المندب الذي تعبر منه 19% من ناقلات العالم لدليل واقعي يؤكد أننا فقدنا معامل الحساسية الذي يقود إلى تقلبات حادة وحرجة، فالسعة الإنتاجية تكون مؤثرة ومرجحة في مسار استقرار الأسواق عند ارتفاع حساسية الأسواق وسرعة استجابتها، وبالنظر إلى حجم السعة الإنتاجية المتوافرة الآن لدى المملكة في معدل الإنتاج الحالي تسعة ملايين برميل يوميا فهي تشكل ثلاثة ملايين برميل يوميا، ما يجعل مثل هذا الحجم من الطاقة الإنتاجية الإضافية كافيا لإحداث توازن إذا ما تطلبت الأسواق ذلك وبالتالي فإن زيادة مليون رابع لهذه السعة في ظروف الأسواق الحالية وبطء استجابتها والضبابية التي تحيط بالاقتصاد العالمي والدفع ببرامج التحول التي تدفع بمصادر إضافية غير النفط بما في ذلك المملكة نفسها التي تستثمر بالطاقة المتجددة، كل ذلك قد لا يبرر المضي قدما باستثمارات عملاقة في الوقت الحالي ويدفع بمسارات استثمارات أخرى تلائم الظروف الحالية والفرص السانحة المتوافرة، ولعل مشكلة الإنتاج الأمريكي الذي وصل إلى مستويات تاريخية قياسية لامست حدود 13.5 مليون برميل يوميا والفائض الذي يدفع به إلى الأسواق يؤكد مجددا ويوفر سببا إضافيا لعدم حاجة الأسواق لسعة إنتاجية إضافية، فضلا عن أي فرص مستقبلية لدخول النفط الإيراني إلى الأسواق لاعبا أساسيا يحاول زيادة طاقته الإنتاجية لا سيما إذا تم رفع العقوبات عنها، أما شركة أرامكو السعودية فأمامها الآن فرص التركيز على التوسع في مشاريع الغاز لتغذي مصادر الكهرباء وبذلك ستسهم في إيجاد سعة إنتاجية قدرها مليون برميل بحلول 2030 وهو ما يستهلك حاليا لتزويد المملكة بالكهرباء ليؤكد مجددا عدم الحاجة للاستثمار في سعة إنتاجية إضافية كما أن أرامكو ترى فرصا هائلة خارج قطاع النفط فهي شركة طاقة ويبدو أنها ستوجه استثماراتها أيضا لأبعد من ذلك خارج حدود أعمالها لتستفيد من الفرص الهائلة في قطاعات حيوية مثل التقنية والذكاء الاصطناعي والبيانات وغيرها لتعظيم عوائد استثماراتها ولتعزيز مكانتها كشركة تتربع على عرش شركات العالم من حيث القيمة السوقية وحجم مساهمتها في الناتج المحلي.