لماذا تعدم البنوك ديونها؟
تعدم البنوك ديونها عندما يصبح من المستحيل على المدينين سدادها، من خلال تحويلها إلى قائمة الخسائر، والمبررات التي تدفع البنوك إلى إعدام الديون كثيرة، عندما يتعثر المقترض نتيجة للإفلاس وتدهور الوضع المالي للمدين ودون وجود أصول يمكن استخدامها لسداد الدين، كما أن بعض الديون صغيرة ومجمعة لا تستحق الجهد والتكلفة لاستردادها، كما أن المنافسة الشرسة بين البنوك أحد الأسباب الرئيسة لارتفاع القروض المتعثرة في بعض الاقتصادات.
إعدام الديون يسهم في تحسين مؤشرات البنك المالية، فشطب الديون ونقلها إلى قائمة الخسائر يسهم في تحسن بعض مؤشرات البنك، ويمنح البنك قدرة أوسع على الإقراض، ضمن بعض مؤشرات كفاية رأس المال، ويجب على البنك الاحتفاظ بمخصص معين مقابل هذا القرض المتعثر وبالتالي ارتفاع المخصصات المطلوبة، ما يزيد من تكلفة القرض، والنتيجة انخفاض الاستثمار والنمو، بمعنى آخر: البنوك المركزية تتحكم في مستويات الإقراض للبنوك بناء على مؤشرات عديدة، من ضمنها معدلات الديون المتعثرة، فالبنوك المركزية تحرص على تقليل القروض المتعثرة، وعلى البنوك التجارية توفير المعالجات اللازمة وبالتالي تتطور مستويات الرقابة التنظيمية.
يرتبط نمو البنوك ارتباطا وثيقا بالإقراض الدائم، وإعدام الديون يسهم في رفع الكفاءة التشغيلية وتماسك بعض المؤشرات، بدليل أن بعض البنوك عالميا تجدد القروض المتعثرة من أجل إخفاء الخسائر، وعلى الرغم من ذلك لا يمكن الاستمرار، لأنها ترتبط بمؤشرات الاستقرار، ولا يمكن تجاهلها دائما، وغالبا مثل تلك الممارسات المحدودة تطبق عندما يوجد نطاق واسع من الشركات التي تعاني ضائقة مالية، ويعمل بها، أي البنك، لمنع إفلاس الشركات وتعزيز استقرار البنوك. ومن أبرز حالات المعالجة لمثل هذه الاختلالات أن البنوك المركزية تحفز علي برامج إعادة هيكلة الديون لحماية الاقتصاد من الأزمات التي تتعلق بالائتمان، وبالتالي فإن عدم كفاءة البنوك التجارية له تأثير هائل في الاقتصاد بأكمله، وإعدام الديون أو إعادة هيكلتها جزء من إدارة أداء البنوك، وجميعها تحت ستار نظام استقرار البنوك، كممارسة عالمية لحماية الاقتصاد.
ومن منظور اقتصادي أعمق وعلى مستوى النظام الاقتصادي، فإن شطب الديون ليس بين البنوك والشركات والأفراد فقط، بل هناك أنواع من إعدام للديون، مثل الديون السيادية للدول، ومهما كان نوع المدين "المقترض" فالنظام الاقتصادي العالمي الحالي يقوم على أساس نقدي من خلال أدوات مختلفة، من ضمنها الائتمان وإعدام الديون وفق مستويات منخفضة، وهي نوع من الصيانة - إن صح التعبير - لضمان كفاءة النظام الائتماني "الإقراضي"، وبالتالي الاستمرار في تمويل الاقتصاد، وهناك ديناميكيات مشتركة بين البنوك المركزية والاقتصاد والمؤسسات المالية وتم تأطيرها وضبطها باتفاقيات "بازل"، وهي معايير لضمان سلامة وصيانة النظام المصرفي، وتعد مؤشرات معيارية مرجعية في قوة وسلامة أي نظام مصرفي في العالم، ولذلك معظم دول العالم تعتمد عليه، أي "بازل" في إدارة مستويات الإقراض والديون وكفاية رأس المال والحماية من الأزمات الائتمانية "الإقراضية"، وفي النهاية إعدام الديون جزء من تلك القواعد والممارسات العالمية.