الاستقرار المالي والأزمات
يقصد بالاستقرار المالي في دولة ما اتصاف النظام المالي والسوق المالية في تلك الدولة بالموثوقية. ويبنى على ذلك قناعة بعدم وقوع ما يضر الأداء ضررا بينا. ولتحقيق ذلك متطلبات، لعل أهمها من ناحية القدرة البشرية أن تتوافر في النظام المالي في الدولة المعنية بنية تمكنه من مواجهة الصدمات ذات الوزن. أما الصدمات البسيطة فإنه لا مفر من وقوعها بين وقت ووقت. وقد تزايدت عالميا أهمية الاستقرار المالي مع تزايد حالات الأزمات المالية وارتفاع الديون ومعدلات التضخم، خاصة في دول، خلال السنوات القريبة الماضية. وتسبب ذلك في تشديد السياسات النقدية.
تصدر جهات كصندوق النقد الدولي وصندوق النقد العربي والبنوك المركزية في الدول تقارير الاستقرار المالي دوريا كل سنة أو كل جزء محدد من السنة. ويتضمن كل تقرير موضوعات وقضايا تتناول تعزيز الاستقرار المالي والحد من تراكم المخاطر النظامية في القطاع المالي بشكل عام والمصرفي بشكل خاص. ويعطي تقرير البنك المركزي السعودي السنوي مزيد أهمية في تعزيز دور القطاع المالي في التنمية المستدامة.
وزيادة في التوضيح، تعرض التقارير تقييمات للأنظمة والتعليمات ذات الصلة بالأسواق المالية، وأوضاعها الحالية والتطورات الجارية وما يمكن أن يشكل أخطارا أو عقبات ذات وزن معتبر. وماذا يقترح لمواجهة التحديات الاقتصادية المؤثرة بطبيعتها في أوضاع الأسواق المالية. كما تحلل التقارير ما تشهده القطاعات المصرفية من تطورات أو اضطرابات وتحديات نتيجة التفاعل بين تشديد الأوضاع النقدية والمالية التي تم اتخاذها بعد الأزمة المالية العالمية قبل بضعة عشر عاما.
من جهة أخرى، فإن التطورات التقنية تزيد من تعقيد الأسواق، وتزيد من تعقيد مهام البنوك المركزية. وتناقش التقارير طبيعة مؤسسات الوساطة المالية غير المصرفية، ومواطن القوة والضعف فيها. وتطرح مقترحات لمواجهة ما يتوقع حدوثة من مشكلات مؤثرة في الاستقرار المالي. كما تهتم التقارير بتحليل المؤثرات غير المالية في الأسواق المالية وتكاليف التمويل والربحية. وتبعا تعطى مقترحات في تعزيز الرقابة المالية، وتحسين الأسواق المالية محليا وعالميا.
وبشأن التطورات في النظام المالي السعودي، فقد استمر كل من البنك المركزي وهيئة السوق المالية في تحسين وتطوير الإطار التنظيمي المالي، وانضباطه مع المعايير الدولية. وفيما يخص أسواق المشتقات المالية، هناك اهتمام بوضع قواعد منظمة لتسجيل التداول، ومتطلبات تخفيف مخاطر عقود التشغيل المالية غير المدرجة.
المصارف التجارية هي أكبر مكونات القطاع المالي، وقد حافظت هذه المصارف على مستويات عالية من حيث رأس المال والسيولة، والربحية. ونسبها من الأعلى على مستوى العالم. والفرصة في بلادنا متاحة لفتح مزيد من البنوك تحت الضوابط والأنظمة القائمة.
تتركز مخاطر المصارف التجارية في السعودية على الائتمان، لكنها مخاطر تحت السيطرة بصفة عامة، وتقابل بأصول جيدة. القروض المتعثرة دون حدود الخطر، لحسن إدارة مخاطر الائتمان. والانكشاف الخارجي للمصارف السعودية محدود، من الجهتين الإقراض والاقتراض. وبصفة عامة، اعتمد البنك المركزي السعودي على مجموعة واسعة من الإجراءات الاحترازية لضمان الاستقرار المالي في القطاع المصرفي قدر المستطاع. كما اتخذ البنك خطوات استباقية تجاه قطاع مصرفية الظل (للتسهيل يمكن تعريف مصرفية الظل تعريفا تقريبيا بأنها عمليات الوسطاء والمؤسسات المالية الخاصة خارج القطاع المصرفي). وهذه المصرفية ممكن استخدامها في عمليات مالية غير مشروعة.
كما اعتمد البنك عددا من التعديلات على لوائح التمويل، مستهدفا دعم نموه وتقليل حالات التعثر. ويشكل تمويل الأفراد النصيب الأكبر من مجموع تمويلات تلك الشركات. ونحمد الله على أن بلادنا تطبق الشريعة الإسلامية. ولا شك أن تطبيقها هو أهم عنصر لحماية الاستقرار المالي. وبالله التوفيق.