تطورات مهمة في حوكمة القطاعات الحكومية
صدرت هذا الشهر قرارات مهمة تمثل تطورا كبيرا في حوكمة القطاع العام في السعودية، القرار الأول يتعلق بقرار مجلس الوزراء بشأن الإطار الوطني لتنظيم إدارات الحوكمة والمخاطر والالتزام والمراجعة الداخلية، ويأتي القرار الثاني المتعلق بإنشاء برنامج لدعم الإدارات القانونية في الأجهزة الحكومية وتطويرها، وهذا الاهتمام يأتي ضمن محور وطن طموح في رؤية السعودية 2030. لقد اتجهت الحكومة السعودية - وفقا للإطار المحدث المشار إليه في القرار - إلى اعتبار الحوكمة والمخاطر وظيفتين من الوظائف الرقابية في الجهات الحكومية، بدلا من اعتبار الحوكمة إطارا لتنظيم العلاقة بين كافة الخطوط الثلاثة، وبذلك فإن إدارة الحوكمة - وفقا لهذا الإطار - تقع ضمن الخط الثاني، سيكون عليها مهام تقييم الحوكمة، كما أن القرار جعل هذه الإدارات ضمن الهيكل التنظيمي، بما يعني أنها تمارس من خلال موظفين يتم تعيينهم لهذا الغرض، فلا يمكن الاكتفاء بالإسناد الخارجي لهذه الوظائف، خاصة أنها من ضمن أعمال الخط الثاني. وكذلك الحال مع إدارة المخاطر، التي يتطلب الأمر استقلالها بشكل واضح عن باقي الإدارات التنفيذية، وتبقى إدارة الالتزام التي قد تكون مستقلة أو تنظم الإدارة الحوكمة إو إدارة الشؤون القانونية، لكن يجب لفت الانتباه إلى عدم ضم هذه الإدارة للمراجعة الداخلية، وذلك لعدة أسباب، أولها أن إدارة الالتزام تقع ضمن الخط الثاني، بينما إدارة المراجعة الداخلية تقع ضمن الخط الثالث، كما أن المراجعة الداخلية تعمل ضمن إطار مختلف وهو إطار معايير المراجعة الدولية، إضافة إلى أن كافة الإدارات المشار إليها (الحوكمة والالتزام والمخاطر وكذلك القانونية) تخضع جميعا لأعمال المراجعة الداخلية بحكم الاختصاص والمكانة على خطوط الحوكمة الثلاثة.
ولعلي أوضح في مقال قادم الفروق الجوهرية بين إدارة المراجعة الداخلية وإدارة الالتزام، وأرجو ألا يعود النقاش حول التداخل بينهما لمثل ذلك النقاش القديم حول التداخل بين المراجعة والجودة. ومما يؤكد ضرورة الفصل بين إدارة المراجعة وإدارة الالتزام أن قرار مجلس الوزراء بشأن إطار الحوكمة قد نص على وجود لجنة للمراجعة ولجنة أخرى للحوكمة والمخاطر والالتزام، وأنه لا يجوز الجمع بين هذه اللجان إلا بشكل مؤقت، فمن الأهمية دراسة هذا النص جيدا، فمن جانب يؤكد على وجود اللجان في هيكل حوكمة الجهات الحكومية، وهذا تطور لافت جدا، كما أن تأكيد الفصل بين هذه اللجان يشير إلى تأكيد استقلال المراجعة الداخلية عن أعمال الإدارات الأخرى ولجانها المشرفة عليها. إضافة إلى كل ما سبق فإن وجود لجنة إشرافية عليا تتبع لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية - وفقا لما جاء في القرار - يلقي الضوء على تطور كبير جدا في مراقبة حوكمة الجهات الحكومية وفي إصدار معايير استرشادية، وهو ما كان مفقودا منذ فترة طويلة.
تبعا لكل ذلك فمن الأهمية بمكان أن تستعد الجامعات لهذا التحول، لمقابلة الطلب على المؤهلين، وهنا يظهر لكليات الأعمال وكليات الحقوق دور مهم ومتداخل، فكليات الحقوق يمكنها دعم الجهات بخريجين في إدارات الالتزام والقانونية، وعلى كليات الأعمال الاهتمام بالخريجين في تخصصات الحوكمة والمخاطر، لكن إذا كانت كليات الحقوق وكذلك الشريعة قادرة على دعم إدارات القانونية والالتزام بشهادة البكالوريوس في الحقوق أو القانون أو الأنظمة أو الشريعة بعمومها فإن خريجي كليات الأعمال لن يحظوا بمثل هذا الدعم، ذلك أن أسماء شهادات البكالوريوس لا تدعم بشكل مباشر تخصصات الحوكمة أو المخاطر، كما لا يمكن ابتكار تخصص منفرد لهما، لأن المواد التخصصية قليلة جدا، والشهادات المتعارف عليها مثل المحاسبة وإدارة الأعمال لا تقدم دليلا كافيا على تأهيل الخريج لهذه الإدارات، ومع استثناء جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التي استطاعت أن تقدم شهادة مستقلة في إدارة المخاطر ضمن تخصصات الأعمال، فإن على الجامعات الأخرى دراسة مخرجاتها وإعادة هيكلة الكليات لتتناسب مع التوجهات الحديثة.